أي: بمغلوبين إن أردنا ذلك بل نفعل ما أردنا، لا يفوتنا شيء، ولا يعجزنا أمر، ولكن اقتضت حكمتنا البالغة، وعلمنا السابق تأخير عقوبة هؤلاء وعدم تبديلهم بخلق آخر.
وقرأ الجمهور (١): ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾ على صورة ﴿لا﴾ النافية. وقرأ قوم ﴿فلأقسم﴾ بلام دون ألف. وقرأ الجمهور ﴿الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ بالجمع. وقرأ أبو حيوة وابن محيصن والجحدري وحميد ﴿المشرق والمغرب﴾ بالإفراد.
والمعنى (٢): أي أقسم برب الكواكب ومشارقها، ومغاربها إنا لقادرون على أن نخلق أمثل منهم، يستمعون دعوة الداعي ونصح الناصح، ونهلك هؤلاء، ولن يعجزنا ذلك لكن مشيئتنا اقتضت تأخير عقوبتهم.
والخلاصة: أنّ هؤلاء المشركين في تناقض واضطراب في الرأي فكيف ينكرون البعث ثم يطمعون في دخول الجنة؟ وكيف ينكرون الخالق وقد خلقهم أولًا مما يعلمون، وهو قادر على خلق مثلهم ثانيًا. وفي هذا تهكّم بهم وتنبيه إلى تناقضهم في كلامهم، فإن الاستهزاء بالساعة ودخول الجنة مما لا يقبله إلا من عنده دخل في العقل ومجانفة لصواب الرأي.
٤٢ - ثم سلّى رسوله - ﷺ - يقولون ويفعلون، فقال: ﴿فَذَرْهُمْ﴾؛ أي: فخلهم وشأنهم ﴿يَخُوضُوا﴾ ويشرعوا في باطلهم الذي من جملته ما حكي عنهم. وهو جواب الأمر، وهو تهديد لهم وثوبيخ كقوله: ﴿اعْمَلُوَا مَا شِئتمْ﴾. ﴿وَيَلْعَبُوا﴾ في الدنيا بالاشتغال بما لا ينفعهم، وأنت مشتغل بما أمرت به، فليس عليك إلا البلاغ. وهذه الآية منسوخة بآية السيف. ﴿حَتَّى يُلَاقُوا﴾ ويعاينوا، من الملاقاة بمعنى المعانية. ﴿يَوْمَهُمُ﴾ هو يوم البعث عند النفخة الثانية. وأضافه إليهم لأنّه يوم جمع كل الخلائق وهم منهم، أو لأن يوم القيامة يوم الكفار من حيث العذاب، ويوم المؤمنين من حيث الثواب، فكأنّه يومان: يوم للكافرين ويوم للمؤمنين. ﴿الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ الآن أو على الاستمرار. وهو من الوعد كقولهم: متى هذا الوعد، ويجوز أن يكون من الإيعاد. وقرأ الجمهور (٣) ﴿حَتَّى يُلَاقُوا﴾ من الملاقاة. وقرأ أبو جعفر، وابن محيصن،

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon