وحميد، ومجاهد ﴿حتى يلقوا﴾ مضارع لقي.
والمعنى: دعهم في تكذيبهم وعنادهم إلى يوم البعث، وحينئذٍ يعلمون عاقبة وبالهم ويذوقون شديد نكالهم، حين يعرضون للحساب والجزاء يوم تجزى كل نفس بما عملت، يوم لا شفيع ولا نصير، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتي الله بقلب سليم.
٤٣ - ثم فصل أحوالهم في هذا اليوم، فقال: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ بدل من ﴿يومهم﴾، ولذا حمل على يوم البعث. والأجداث: جمع جدث، وهو القبر. وقرأ الجمهور (١): ﴿يَخْرُجُونَ﴾ مبنيًا للفاعل. وقرأ السلميّ (٢) والأعمش، والمغيرة، وعاصم في رواية مبنيًا للمفعول. ﴿سِرَاعًا﴾ منتصب على الحال من ضمير ﴿يَخْرُجُونَ﴾. جمع سريع كظراف جمع ظريف، أي: مسرعين إلى جانب الداعي وصوته، وهو إسرافيل ينادي على الصخرة، كما سبق. وقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ﴾ حال ثانية (٣) من الضمير المذكور، وهو كل ما نصب وعبد من دون الله. وعن أبي عمرو: هو شبكة يقع فيها الصيد فيسارع إليها صاحبها، واحد الأنصاب كعنق وأعناق، كما قال تعالى: ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾. وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها. وقال الأخفش: جمع نصب كرهن ورهن، والأنصاب جمع الجمع. ﴿يُوفِضُونَ﴾؛ أي: يسرعون أيّهم يستلمه أوّلًا من الإيفاض، وهو الإسراع. وفيه تهجين لحالهم الجاهلة، وتهكم بهم بذكر جهالتهم التي اعتادوها من الإسراع إلى ما لا يملك نفعًا ولا ضرًّا.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿نصب﴾ بفتح النون وسكون الصاد. وأبو عمران الجوني ومجاهد بفتحهما، وابن عامر وحفص بضمّهما، والحسن وقتادة بضم النون وسكون الصاد. والنصب: ما نصب الإنسان فهو يقصده مسرعًا إليه من علم أو بناء أو صنم، وغلب في الأصنام حتى قيل: الأنصاب هي الأصنام.
٤٤ - ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ حال من فاعل ﴿يُوفِضُونَ﴾، و ﴿أَبْصَارُهُمْ﴾ فاعلها على الإسناد المجازي. يعني: وصفت بالخشوع مع أنه وصف للكل لغاية ظهور آثاره فيها.

(١) الشوكاني.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.
(٤) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon