والمعنى: ذليلة خاضعة لا يرفعونها مخافة ما يتوقعون من العذاب. ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾؛ أي: تغشاهم ذلة شديدة وحقارة عظيمة. قال قتادة: هي سواد الوجوه، ومنه: غلام مراهق إذا غشيه الاحتلام. والجملة حال أيضًا من فاعل ﴿يُوفِضُونَ﴾.
والمعنى (١): أي يوم يخرجون من قبورهم إذا دعاهم الداعي إلى موقف الحساب سراعًا، يسابق بعضهم بعضًا كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه، يبتدرون أيهم يستلمه قبل مع خشوع الأبصار وذلتها لهول ما تحققوا من العذاب، تعلو وجوههم القترة لما أصابهم من الكآبة والحزن.
ثم ذكر أن ذلك العذاب الذي وقعوا فيه كانوا قد أنذروا به، ولم يأتهم بغتة، فقال: ﴿ذَلِكَ﴾ اليوم المذكور الذي سيقع فيه الأهوال الهائلة. وهو مبتدأ، خبره قوله: ﴿الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾؛ أي: يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل، وهم يكذّبون به. فاندفع توهم التكرار؛ لأن الوعد الأول محمول على الآتي والاستمراريّ كما مرّ، وهذا الوعد محمول على الماضي بدلالة لفظ ﴿كان﴾.
والمعنى: أي ذلك اليوم وما فيه من أهوال عظام كانوا قد أنذروا في الدنيا أنهم ملاقوه، وانوا به يكذّبون، فلا عذر لهم فيما سيموا به من سوء العذاب.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿ذِلَّةٌ﴾ منونًا، ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ﴾ برفع الميم، مبتدأ وخبر. وقرأ عبد الرحمن بن خلاد عن داود بن سالم عن يعقوب، والحسن بن عبد الرحمن عن التفار ﴿ذلّة﴾ بغير تنوين مضافًا إلى ﴿ذلك﴾، و ﴿اليوم﴾ بخفض الميم.
الإعراب
﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)﴾.
﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، ﴿بِعَذَابٍ﴾ متعلق بـ ﴿سَألَ﴾، والباء بمعنى عن، و ﴿وَاقِعٍ﴾ صفة لـ ﴿عذاب﴾، ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ متعلق بـ ﴿وَاقِعٍ﴾، واللام بمعنى على، ﴿لَيْسَ﴾ فعل ماض ناقص، ﴿لَهُ﴾ خبرها مقدم، ﴿دَافِعٌ﴾ اسمها مؤخر،

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon