أهل الأرض من الآدميّين أهل عصره. وروى (١) قتادة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - ﷺ - قال: "أوّل نبيٍّ أرسل نوح عليه السلام، وأرسل إلى جميع أهل الأرض، ولذلك لما كفروا أغرق الله أهل الأرض جميعًا". قال ابن عباس: وأرسل نوح وهو ابن أربعين سنة. وقال عبد الله بن شدّاد: وهو ابن ثلاث مئة وخمسين سنة. وقال وهب: وهو ابن خمسين سنة اهـ خطيب. وقوله في الحديث: "أول نبي أرسل نوح" لعل المراد منه أنه أول نبي أرسل بالنهي عن عبادة غير الله؛ لأن عبادة غيره إنما حدثت في زمن نوح، وإلّا فمن المعلوم أن قبله رسلًا آدم وشيث وإدريس اهـ شيخنا.
وفي "الشهاب": ونوح أطول الأنبياء عمرًا بل أطول الناس، وهو أوّل من شرعت له الشرائع، وأول رسول أنذر من الشرك وأهلكت أمته.
والمعنى (٢): أنّه أوّل من أرسل إلى من يعبد الأصنام، لأن عبادة الأصنام أوّل ما حدثت في قومه، وأرسله الله إليهم ينهاهم عن ذلك. وكان أكثر أهل الأرض في زمانه أولاد قابيل، وهم أوّل من عبدوا الأصنام، وأمّا آدم فأرسله الله سبحانه إلى أولاده بالإيمان وتعليم شرائعه، وكذا شيث وإدريس كلّ منهما أرسل إلى أولاده بالتوحيد والشرائع. وأمّا أولاد قابيل وكانوا أكثر أهل الأرض وعبدوا الأصنام، فأرسل الله إليهم نوحًا، فكانت رسالته عامّة لجميع أهل الأرض من أهل عصره.
فإن قلت: إذا كانت رسالة نوح عامّة لجميع أهل الأرض كانت مساويةً لرسالة نبيّنا محمد - ﷺ -؟
قلت: رسالة نوح عليه السلام عامّة لجميع أهل الأرض في زمنه، ورسالة نبيّنا محمد - ﷺ - عامّة لجميع من في زمنه، ومن يوجد بعد زمنه إلى يوم القيامة، فلا مساواة.
وهو (٣) نوح بن لامك بن متوشلخ بن أخنوخ، وهو إدريس بن برد بن مهلائيل بن أنوش بن فينان بن شيث بن آدم عليه السلام. ويقال له: شيخ المرسلين، وآدم الثاني. ونوح لقبه، واسمه عبد الغفّار، لقب به لكثرة نوحه على
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.