نفسه أو على الناس بالدعوة إلى التوحيد، أو هو اسم سرياني معناه: الساكن؛ لأنّ الأرض طهرت به عن خبث الكفّار، سكنت إليه. وهو أوّل من أوتي الشريعة في قول، وأوّل أولى العزم من الرسل على قول الأكثرين، وأوّل نذير على الشرك، وكان قومه يعبدون الأصنام، وأوّل من عذَّبَتْ أمته.
﴿أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ﴾؛ أي: بأن خوف قومك عن عبادة غير الله تعالى، فتكون ﴿أَنْ﴾ مصدرية، ويجوز أن تكون هي المفسرة؛ لأن في الإرسال معنى القول؛ أي: أنذر قومك. وقرأ ابن مسعود ﴿أنذر﴾ بدون أن، وذلك على تقدير القول؛ أي: فقلنا له: أنذرهم من قبل أن ياتيهم عذاب أليم؛ أي: خوّفهم بالنار على عبادة الأصنام كي ينتهوا عن الشرك ويؤمنوا بالله وحده.
والحاصل (١): أن ﴿أَنْ﴾ على قراءة الجمهور يجوز أن تكون مفسرة لما في الإرسال من معنى القول كما مرّ آنفًا، ويجوز أن تكون مصدرية حذف منها الجار وأوصل إليها الفعل؛ أي: بأن أنذرهم، وجعلت صلتها أمرًا كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ﴾؛ لأنَّ مدار وصلها بصيغ الأفعال دلالتها على المصدر، وذلك لا يختلف بالخبريّة والإنشائية ووجوب كون الصلة خبريّة في الموصول الاسميّ إنما هو للتوصل إلى وصف المعارف بالجمل، وهي لا توصف إلا بالجمل الخبريّة، وليس الموصول الحرفي كذلك، وحيث استوى الخبر والإنشاء في الدلالة على المصدر استويا في صحة الوصل بها، فيتجرد عند ذلك كل منهما عن المعنى الخاص بصيغته، فيبقى الحدث المجرد عن معنى الأمر والنهي والمضيّ والاستقبال، كأنّه قيل: أرسلناه بالإنذار كذا في "الإرشاد".
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ﴾ من الله تعالى ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: عذاب شديد عاجل كالطوفان والغرق، أو آجل كعذاب الآخرة، لئلا يبقى لهم عذر ما أصلا، كما قال تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾. و ﴿أَلِيمٌ﴾ بمعنى المؤلم أو المتألم مبالغة، والألم إمّا جسمانيّ وإما روحاني، والثاني أشدّ.
٢ - وجملة قوله: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ﴾ مستأنفة استئنافًا بيانيًا واقعًا في جواب سؤال

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon