مقدر، كأنّه قيل: فماذا قال نوح؟ فقال: قال نوح لهم: يا قوم؛ أي: يا قومي. خاطبهم بظهار الشفقة عليهم وإرادة الخير لهم وتطييبًا لهم. ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ﴾؛ أي: منذر مخوّف من عاقبة الكفر والمعاصي. وأفرد الإنذار بالذكر مع كونه بشيرًا أيضًا؛ لأن الإنذار أقوى في تأثير الدعوة، لما أن أكثر الناس يطيعون أوّلًا بالخوف من القهر، وثانيًا بالطمع في العطاء، وأقلهم يطيعون بالمحبة للكمال والجمال.
يقول الفقير: الظاهر (١) أن الإنذار أول الأمر، كما قال تعالى لنبينا - ﷺ -: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)﴾، والتبشير ثاني الأمر كما قال تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾. فالإنذار يتعلق بالكافرين، والتبشير يتعلق بالمؤمنين، وإن أمكن تبشير الكفّار بشرط الإيمان لا في حال الكفر، فإنهم في حال الكفر إنما يستحقون التبشير التهكمي كما قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤)﴾.
﴿مُبِينٌ﴾ موضح لحقيقة الأمر بلغة تعرفونها، أو بين الإنذار، أو مبين لما فيه نجاتكم.
والمعنى (٢): أي إنا أرسلنا نوحًا رسولًا إلى قومه، وقلنا له أنذرهم بأس الله وعذابه قبل أن يغرقهم الطوفان. ثم أخبر بأنه لما أمره بذلك امتثل الأمر فقال لقومه: يا قومي إني أنذركم عذاب الله فاحذروا أن ينزل بكم على كفركم به.
٣ - ثم فصّل ما أنذرهم به، فذكر ثلاثة أشياء:
١ - ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ أي: آمركم بعبادة الله وحده. وهو متعلق بـ ﴿نَذِيرٌ﴾، فـ ﴿أنْ﴾ هي المفسرة لـ ﴿نَذِيرٌ﴾ أو هي المصدرية. والأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبات والمندوبات من أفعال القلوب والجوارح.
٢ - ﴿وَاتَّقُوهُ﴾؛ أي: وآمركم بتقواه وخوف عذابه بأن تتركوا محارمه وتجتنبوا مآثمه. والأمر بالتقوى يتناول الزجر عن جميع المحظورت والمكروهات.
٣ - ﴿وَأَطِيعُونِ﴾؛ أي: وانتهوا، إلى ما آمركم به، واقبلوا نصيحتي لكم. والأمر بالطاعة يتناول أمرهم بطاعته في جميع المأمورات والمنهيّات والاعتقاديّات والعمليّات. وفي "التأويلات النجمية": ﴿وَأَطِيعُونِ﴾؛ أي: في أخلاقي وصفاتي
(٢) المراغي.