العلم وآلات تحصيله بتوغلهم في حب الدنيا، وطلب لذّاتهم حتى بلغوا بذلك إلى حيث صاروا كأنّهم شاكّون في الموت.
وقيل: المراد بأجل الله في قوله: ﴿إنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ﴾ الأجل الأطول.
والمعنى عليه: أي إنّ أجل الله الذي كتبه على خلقه في أمّ الكتاب إذا جاء لا يؤخّر عن ميقاته لو كنتم من أهل العلم، لكنّكم لستم من أهله، ولذا لم تسارعوا إلى العمل بما أمركم به. وفي قوله: ﴿لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ زجر لهم عن حبّ الدنيا والتهالك عليها والإعراض عن أوامر الدين ونواهيه، وكأنّهم قد بلغ بهم الأمر إلى أنهم شاكّون في الموت.
٥ - ﴿قْالَ﴾ أي: نوح مناجيًا لربّه وحاكيًا له، وهو أعلم بحال ما جرى بينه وبين قومه من القيل والقال في تلك المدد الطوال بعدما بذل في الدعوة غاية المجهود، وجاوز في الإنذار كل حد معهود، وضاقت عليه الحيل، وعيت به العلل. ﴿رَبِّ﴾ أي: يا ربّي ﴿إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي﴾ إلى الإيمان والطاعة ﴿لَيْلًا وَنَهَارًا﴾؛ أي: في الليل والنهار؛ أي: دائمًا من غير فتور ولا توان، فهما ظرفان لدعوت، أراد بهما الدوام على الدعوة؛ لأنّ الزمان منحصر فيهما، وكان يأتي باب أحدهم ليلًا فيقرع الباب، فيقول صاحب البيت: من على الباب؟ فيقول: أنا نوح، قل: لا إله إلا الله.
٦ - ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (٦)﴾ مما دعوتهم إليه، وتباعدًا عنه. فالاستثناء فيه مفرغ، فالمستثنى منه مقدر؛ أي: فلم يزدهم دعائي شيئًا من أحوالهم التي كانوا عليها إلا فرارًا؛ أي: بعدًا وإعراضًا عن الإيمان، كأنّهم حمر مستنفرة اهـ خطيب.
وفي "التأويلات النجمية": إلّا فرارًا من متابعتي وديني، وما أنا عليه من آثار وحيك. وهو مفعول ثان لقولهم: ﴿لَمْ يَزِدْهُمْ﴾؛ لأنه يتعدّى إلى مفعولين يقال: زاده الله خيرًا، والاستثناء مفرّغ. وإسناد (١) الزيادة إلى الدعاء مع أنها فعل الله تعالى لسببيته لها.
والمعنى: أنّ الله يزيد القرار عند الدعوة بصرف المدعو اختياره إليه. قرأ