كانوا يضربونه في اليوم مرّات عيل صبره، فسأل الله أن يواريه عن أبصارهم بحيث يسمعون كلامه، ولا يرونه فينالوه بمكروه، ففعل الله ذلك به، فدعاهم كذلك زمانًا فلم يؤمنوا، فسأل الله أن يعيده إلى ما كان. وهو قوله: ﴿أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا﴾.
والمعنى (١): أي ثم إني كنت أسر لهم بالدعوة تارةً، وأجهر لهم بها تارة أخرى، وطورًا كنت أجمع بين الإعلان والإسرار.
والخلاصة: أنّه عليه السلام لم يترك سبيلًا للدعوة إلا فعلها، فاستعمل طرقا ثلاثةً:
١ - بدأهم بالمناصحة في السر، فعاملوه بما ذكر في الآية السابقة من سدّ الآذان، والاستغشاء بالثياب والإصرار على الكفر والاستعظام عن سماع الدعوة.
٢ - جاهرهم بالدعوة، وأعلنهم على وجه ظاهر لا خفاء فيه.
٣ - جمع بين الإعلان والإسرار.
١٠ - ثم بين ما كان يقول لهم، فقال: ﴿فَقُلْتُ﴾ لهم عقيب الدعوة، عطف على قوله: ﴿دَعَوْتُ﴾. ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾؛ أي: اطلبوا المغفرة منه لأنفسكم بالتوبة عن الكفر والمعاصي قبل الفوت بالموت.
والمعنى: أي فقلت لهم: سلوا ربكم غفران ذنوبكم، وتوبوا إليه من كفركم وعبادة ما سواه من الآلهة، ووحّدوه، وأخلصوا له العبادة.
﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿كَانَ غَفارًا﴾ للتائبين بجعل ذنوبهم كأن لم تكن. والمراد (٢) من كونه غفارًا في الأزل كونه مريدًا للمغفرة في وقتها المقدّر، وهو وقت وجود المغفور له. والغفّار أبلغ من الغفور، وهو من الغافر، وأصل الغفر: الستر والتغطية، ومنه قيل لجنة الرأس: مغفر؛ لأنه يستر الرأس. والمغفرة من الله: ستره للذنوب وعفوه عنها بفضله ورحمته، لا بتوبة العباد وطاعتهم. وإنما التوبة والطاعة للعبودية وعرض الافتقار.
(٢) روح البيان.