والمعنى: أي إنه تعالى كان غفارًا لذنوب من أناب إليه وتاب منها متى صدقت العزيمة، وخلصت النية وصحت التوبة فضلًا منه وجودًا وإن كانت كزبد البحر.
١١ - ولما كان الإنسان مجبولًا على محبّة الخيرات العاجلة، كما قال: ﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ لا جرم أعلمهم أنّ إيمانهم بالله يجمع لهم إلى الحّظ الأوفر من الآخرة الخصب والغنى وكثرة الأولاد في الدنيا، ومن ثم وعدهم بخمسة أشياء:
١ - ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ﴾؛ أي: ينزل الله سبحانه المطر، كما قال الشاعر:
إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ | فَحُلُّوْا حَيْثُمْا نَزَلَ السَّمَاءُ |
كأن قوم نوح تعللوا وقالوا (١): إن كنا على الحق فكيف نتركه؟ وإن كنا على الباطل فكيف يقيلنا بعدما عكفنا عليه دهرًا طويلًا؟. فأمرهم الله تعالى بما يمحق ما سلف منهم من المعاصي ويجلب عليهم المنافع، وهو الاستغفار، ولذلك وعدهم بالعوائد العاجلة التي هي أوقع في قلوبهم من المغفرة وأحب إليهم؛ إذ النفس حريصة بحب العاجل، ولذلك جعلها جواب الأمر بأن قال: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ﴾ إلخ، دون المغفرة بأن قال: ﴿ويغفر لكم﴾ ليرغبوا فيها، ويشاهدوا أن أثرها وبركتها ما يقاس عليه المغفرة، فالاشتغال بالطاعة سبب لانفتاح أبواب الخيرات، كما أن المعصية سبب لخراب العالم بظهور أسباب القهر الإلهي. وقيل: لما كذّبوه بعد
(١) روح البيان.