وشكا إليه آخر الفقر وقلة النسل، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه ثالث جفاف بساتينه، فقال له: استغفر الله. فقال له الربيع بن صبيح: أتاك رجال يشكون إليك أنواعًا من الحاجة، فأمرتهم كلهم بالاستغفار، فقال: ما قلت من نفسي شيئًا إنما اعتبرت قول الله عزّ وجلّ حكاية عن نبيّه نوح عليه السلام أنّه قال لقومه: ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ الآية.
١٣ - وبعد (١) أن أدبهم الأدب الخلقي بطلبه منهم تهذيب نفوسهم واتباعهم مكارم الأخلاق... شرع يؤدِّبهم الأدب العلمي بدراسة التشريح وعلم النفس ودراسة أحوال العوالم العلوية والسفليّة، فقال: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (١٣)﴾، إنكار لأن يكون لهم سبب ما في عدم رجائهم لله تعالى وقارًا على أن الرجاء بمعنى الاعتقاد. والوقار: العظمة. و ﴿ما﴾ للإستفهام الإنكاري التوبيخي في محل الرفع مبتدأ، و ﴿لكم﴾ خبرها، و ﴿لَا تَرْجُونَ﴾ حال من ضمير المخاطبين، والعامل فيها معنى الاستقرار في ﴿لَكُمْ﴾، و ﴿لِلَّهِ﴾ متعلق بمحذوف وقع حالًا من ﴿وَقَارًا﴾، ولو تأخر لكان صفة له.
والمعنى: أيُّ سبب حصل لكم واستقر لكم حال كونكم غير معتقدين لله عظمةً موجبة لتعظيمه بالإيمان والطاعة له؟ أي: لا سبب لكم في هذا مع تحقق مضمون الجملة الحالية. ومن (٢) استعمال الرجاء بمعنى الخوف قول الهذيل: إذا لسعته النحل لم يرج لسعها. وقال سعيد بن جبير، وأبو العالية، وعطاء بن أبي رباح: ما لكم ترجون لله ثوابًا، ولا تخافون منه عقابًا. وقال مجاهد والضحاك: ما لكم لا تبالون لله عظمةً. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ما لكم لا تخشون منه عقابًا، ولا ترجون منه ثوابًا بتوقيركم إيّاه.
١٤ - وجملة قوله: ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (١٤)﴾ في محل النصب على الحال من الجلالة؛ أي: والحال أنه سبحانه وتعالى قد خلقكم على أطوار مختلفة وصفات متفاوتة وحالات متنوّعة. والطور في اللغة: المرة، وقال ابن الأنباري: الطور: الحال، ويقال: فعل كذا طورًا بعد طور أي: تارة بعد تارة.
(٢) الشوكاني.