وجملة قوله تعالى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ﴾ مستأنفة مسوقة لبيان حال أهلها بعد بيان حال نفسها، أو في محل نصب على الحال من فاعل ﴿تميز﴾. والفوج: الجماعة الكثيرة من الناس؛ أي: كلّما ألقي وطرح فيها؛ أي: في جهنم فوج؛ أي: جماعة من الكفرة بدفع الزبانية لهم؛ الذين هم أغيظ عليهم من النار. ﴿سَأَلَهُمْ﴾؛ أي: سأل الفوج سؤال توبيخ وتقريع، وضمير الجمع باعتبار المعنى. ﴿خَزَنَتُهَا﴾؛ أي: خزنة النار؛ وهي مالك وأعوانه من الزبانية، ليزدادوا عذابًا فوق عذاب وحسرة؛ أي: ليزدادوا العذاب الروحاني على العذاب الجسمانيّ، والخزنة: جمع خازن بمعنى الحافظ والموكّل؛ أي: سألت الخزنة لهم عن سبب دخولهم النار، وقالوا لهم: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ أيها الكفرة الفجرة في الدنيا ﴿نَذِيرٌ﴾؛ أي: منذر يتلو عليكم آيات ربكم، وينذركم لقاء يومكم هذا، ويحذركم منه. والإنذار: الإبلاغ، ولا يكون إلا في التخويف.
٩ - وجملة قوله تعالى: ﴿قَالُوا﴾ اعترافًا بأنّه تعالى قد أزاح عللهم بالكلية ببعثة الرسل وإنذارهم ما وقعوا فيه، مستأنفة (١) واقعة في جواب سؤال مقدر كأنّه قيل: فماذا قالوا بعد هذا السؤال؟ فقال: قالوا: بلى قد جاءنا نذير فأنذرنا وخوّفنا وأخبرنا بهذا اليوم، فكذّبنا النذير. ﴿بَلَى﴾ لإيجاب نفي إتيان النذير. ﴿قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ﴾ جمعوا بين حرف الجواب ونفس الجملة المجاب بها مبالغةً في الاعتراف، وتحسّرًا على فوت سعادة التصديق، وتمهيدًا لبيان التفريط الواقع منهم؛ أي: قال كلُّ فوج من تلك الأفواج: قد جاءنا نذير؛ أي: واحدٌ حقيقةً أو حكمًا كأنبياء بني إسرائيل؛ فإنهم في حكم نذير واحد، فأنذرنا وتلا علينا ما نزل الله عليه من آياته. روى أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - ﷺ - أنّه قال: "أنا النذير والموت المغير والساعة الموعد". ﴿فَكَذَّبْنَا﴾ ذلك النذير في كونه نذيرًا من جهته تعالى. فإن قلت (٢): هذا يقتضي أن لا يدخلها الفاسق المصر؛ لأنّه لم يكذب النذير.
قلت: قد دلّت الأدلة السمعية على تعذيب العصاة مطلقًا، والمراد بالفوج هنا بعض من ألقي فيها، وهم الكفرة كما سبق. ﴿وَقُلْنَا﴾ في حق ما تلاه علينا من الآيات إفراطًا في التكذيب وتماديًا في الكبر بسبب الاشتغال في الأمور الدنيوية

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon