ثم فصل تلك الآلهة بقوله: ﴿وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ جرَّد (١) الأخيرين عن حرف النفي؛ إذ بلغ التأكيد نهايته، وعلم أن القصد إلى كل فرد فرد لا إلى المجموع من حيث هو مجموع، والمعنى: ولا تذرن عبادة هؤلاء خصوصًا، فهو من عطف الخاص على العام خصوصًا بالذكر مع اندراجها فيما سبق؛ لأنّها كانت أكبر أصنامهم وأعظم ما عندهم.
قال محمد بن كعب (٢): هذه أسماء قوم صالحين، كانوا بين آدم ونوح، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صورهم.. كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة، ففعلوا. ثم نشأ قوم من بعدهم فقال لهم إبليس: إنّ الذين من قبكلم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم. فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء؛ لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم الصالحين.
وقد انتقلت (٣) هذه الأصنام بأعيانها عنهم إلى العرب، فكان ود لكلب بدومة الجندل بضم قال دومة، ولذلك سمت العرب بعبد ودٍّ. قال الراغب: الود: صنم سمي بذلك إما لمودتهم له أو لاعتقادهم أن بينه وبين البارىء تعالى مودّة، تعالى الله عن ذلك. وكان سواع لهمدان بسكون الميم قبيلة باليمن، ويغوث لمذ حجٍ كمجلس بالذال المعجمة، وآخره جيم، ومنه: كانت العرب تسمى عبد يوث. ويعوق لمراد، وهو كغراب أبو قبيلة، سمّي به لأنّه تمرّد. ونسر لحمير بكسر الحاء وسكون الميم بوزن درهم، موضع غربيّ صنعاء اليمن.
وقيل: انتقلت أسماؤها إليهم فاتخذوا أمثالها، فعبدوها إذ يبعد بقاء أعيان تلك الأصنام، كيف وقد خربت الدنيا في زمان الطوفان، ولم يضعها نوح في السفينة؛ لأنّه بعث لنفيها. وجوابه: أنّ الطوفان دفنها في ساحل جدة فلم تزل مدفونة حتى أخرجها اللعين لمشركي العرب. نظيره: ما روي أنَّ آدم عليه السلام كتب اللغات المختلفة في طين وطبخه، فلما أصاب الأرض الغرق بقي مدفونًا، ثم وجد كل قوم كتابًا فكتبوه، فأصاب إسماعيل عليه السلام الكتاب العربي. وقيل: هي أسماء قوم رجال صالحين كانوا بين آدم ونوح. وقيل: من أولاد آدم، ماتوا
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.