فحزن الناس عليهم حزنًا شديدًا، واجتمعوا حول قبورهم لا يكادون يفارقونها، وذلك بأرض بابل، فلما رأى إبليس فعلهم ذلك جاء إليهم في صورة إنسان، وقال لهم: هل لكم أن أصور لكم صورهم إذا نظرتم إليها ذكرتموهم واستأنستم وتبركتم بهم؛ قالوا: نعم. فصور لهم صورهم من صفر ونحاس ورصاص وخشب وحجر، وسمى تلك الصور بأسمائهم. ثم لما تقادم الزمن وانقرضت الآباء والأبناء وأبناء الأبناء قال لمن حدث بعدهم: إن من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور، فعبدوها في زمان مهلاييل بن فينان، ثم صارت سنة في العرب في الجاهلية.
وذلك إمّا بإخراج الشيطان اللعين تلك الصور كما سبق أو بأنه كان لعمرو بن لحي، وهو أول من نصب الأوثان في الكعبة فقال له تابع من الجن: اذهب إلى جدة وائت منها بالآلهة التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس، وهي ود إلخ. فذهب وأتى بها إلى مكة، ودعا إلى عبادتها، فانتشرت عبادة الأوثان في العرب. وعاش عمرو بن لحي ثلاث مئة وأربعين سنة، ورأى من ولده وولد ولد ولده ألف مقاتل، ومكث هو وولده في ولاية البيت خمس مئة سنة، ثم انتقلت الولاية إلى قريش، فمكثوا فيها خمس مئة أخرى، فكان البيت بيت الأصنام ألف سنة.
وفي "التكملة": روى تقيُّ بن مخلد: أن هذه الأسماء المذكورة في هذه السورة كانوا أبناء آدم عليه السلام من صلبه، وأن يغوث كان أكبرهم، وهي أسماء سريانية. ثم رفعت تلك الأسماء إلى أهل الهند، فسموا بها أصنامهم التي زعموا أنها على صور الدراري السبعة، وكانت الجن تكلمهم من جوفها، فاقتدوا بها. ثم أدخلها إلى أرض العرب عمرو بن لحي بن قمعة بن إلياس بن مضر، فمن قبله سرت إلى أرض العرب. وقيل: كان ود على صورة رجل، وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر، وهو طائر عظيم؛ لأنّه ينسر الشيء ويقتلعه.
وقرأ نافع وأبو جعفر وشيبة بخلاف عنهم (١): ﴿ودّا﴾ بضمّ الواو، والحسن والأعمش وطلحة، وباقي السبعة بفتحها. وقرأ الجمهور ﴿وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ﴾ بغير تنوين، فإن كانا عربيّين فمنع الصرف للعلمية ووزن الفعل، وإن كانا عجميّين