إلا ضياعًا وهلاكًا في تمشية مكرهم وترويجه مصالح دنياهم لا في أمر دينهم حتى لا يتوجه أنه إنما بعث ليصرفهم عن الضلال، فكيف يليق به أن يدعو الله عليهم في أن يزيد ضلالهم؛ وأنّ هذا الدعاء يتضمن الرضا بكفرهم، وذلك لا يجوز في حقّ الأنبياء، وإن كان يمكن أن يجاب بأنه بعدما أوحي إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، وأنّ المحذور هو الرضا المقرون باستحسان الكفر. ونظيره: دعاء موسى عليه السلام بقوله: ﴿وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾. قالوا: دعا نوح الأبناء بعد الآباء حتى بلغوا سبعة قرون، فلمّا أيس من إيمانهم دعا عليهم. فيكون المعنى: ولا تزد الظالمين إلا ضلالًا وغيًّا ليزدادوا عقابًا.
والمعنى: أي ولا تزد الظالمين لكفرهم بآياتك إلا ضلالًا وطبعًا على قلوبهم حتى لا يهتدوا إلى حقّ، ولا يصلوا إلى رشد. وقصارى ما قاله عليه السلام: أن دعا عليهم بالخذلان، وأن دعا لنفسه بالنصر وظهور دينه كما جاء في قوله: ﴿رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ﴾.
٢٥ - ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾؛ أي: (١) من أجل خطيئات قوم نوح وأعمالهم المخالفة للصواب، وهي الكفر والمعاصي. و ﴿ما﴾ مزيدة بين الجار والمجرور لتأكيد الحصر المستفاد من تقديم قوله: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾، فإنه يدل على أنَّ إغراقهم بالطوفان لم يكن إلا من أجل خطيئاتهم تكذيبًا لقول المنجمين من أن ذلك كان لاقتضاء الأوضاع الفلكية إياه، ونحو ذلك. فإنه كفر لكونه مخالفًا لصريح هذه الآية. ولزيادة ﴿ما﴾ الإبهامية فائدة غير التأكيد، وهي تفخيم خطيئاتهم؛ أي: من أجل خطيئاتهم العظيمة، ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة، وجعل ﴿خَطِيئَاتِهِمْ﴾ بدلًا منها. والخطيئات: جمع خطيئة. وقرأ أبو عمرو ﴿خطاياهم﴾ بلفظ الكثرة، لأنّ المقام مقام تكثير خطيئاتهم؛ لأنهم كفروا ألف سنة. والخطيئات لكونه جمع السلامة لا يطلق على ما فوق العشرة إلا بالقرينة. والظاهر من كلام الرضيّ: أن كلا من جمع السلامة والتكسير لمطلق الجمع من غير نظر إلى القلة والكثرة فيصلحان لهما، ولذا قيل: إنهما مشتركان بينهما، واستدلوا عليه بقوله تعالى: ﴿مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ﴾.
أي: من أجل خطيئاتهم وأعمالهم الخبيثة لا لما يقوله المنجمون من اقتضاء