﴿خطاياهم﴾. جمع تكسير. وقرأ عبد الله ﴿من خطيئاتهم ما أغرقوا﴾ بزيادة ما بين ﴿أُغْرِقُوا﴾ و ﴿خَطِيئَاتِهِمْ﴾. وقرأ الجمهور ﴿أُغْرِقُوا﴾ بالهمزة، وزيد بن عليّ ﴿غُرِّقُوا﴾ بالتشديد، وكلاهما للنقل.
٢٦ - ﴿وَقَالَ نُوحٌ﴾ عليه السلام بعدما قنط من اهتدائهم قنوطًا تامًا بالأمارات الغالبة وبأخبار الله تعالى: ﴿رَبِّ﴾ أي: يا مالكي ﴿لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ﴾ أي لا تترك على الأرض ﴿مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ لك وبما جاء من عندك. حال متقدمة من قوله: ﴿دَيَّارًا﴾ أي: أحدًا يدور في الأرض، فيذهب ويجيء. أي: فأهلكهم بالاستئصال. والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي﴾، وقوله: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ﴾ اعتراض، وسّط بين دعائه عليه السلام للإيذان من أوّل الأمر بأن ما أصابهم من الإغراق والإحراق لم يصبهم إلا لأجل خطيئاتهم التي عددها نوح.
وقال محمد بن كعب ومقاتل والربيع بن أنس وابن زيد وعطية (١): إنّما قال هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم، وأعقم أرحام النساء وأصلاب الآباء قبل العذاب بسبعين سنةً، وقيل: بأربعين سنةً. قال قتادة: لم يكن فيهم صبيّ وقت العذاب. وقال الحسن وأبو العالية: لو أهلك الله أطفالهم معهم.. كان عذابًا من الله لهم وعدلًا فيهم، ولكن أهلك ذريتهم وأطفالهم بغير عذاب، ثم أهلكهم بالعذاب. و ﴿دَيَّارًا﴾ من الأسماء المستعملة (٢) في النفي العامّ، وهو فيعال من الدوران فمعناه على هذا: لا تترك أحدًا يدور في الأرض فيذهب ويجيء، أو من الدار فمعناه عليه: لا تذر أحدًا ممن ينزل الدار ويسكنها، وأنكر بعضهم كونه من الدوران، وقال: لو كان من الدوران.. لم يبق على وجه الأرض جني ولا شيطان، وليس المعنى على ذلك، وإنما المعنى: أهلك كل ساكن دار من الكفّار، أي: كل إنسي منهم.
يقول الفقير: جوابه سهل فإن المراد كل من يدور على الأرض من أمة الدعوة، وليس الجن والشيطان منها؛ إذ لم يكن نوح مبعوثًا إلى الثقلين. وليس ﴿دَيَّارًا﴾ فعالًا من الدار وإلا قيل: دوّار، لأن أصل دار دور، فقلبت واوه ألفًا فلما ضعفت عينه كان دوارًا بالواو الصحيحة المشدّدة؛ إذ لا وجه لقلبها ألفًا.

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon