والمعنى: أي وقال نوح: ربّ لا تدع على وجه الأرض منهم أحدًا إلا أهلكته.
٢٧ - ثم بين علة هذا الدعاء بشيئين:
١ - ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ﴾؛ أي: إن تتركهم على الأرض كلَّا أو بعضًا ولم تهلكهم ﴿يُضِلُّوا عِبَادَكَ﴾ الذين آمنوا بك عن طريق الحقّ. روي: أنّه كان الرجل منهم ينطلق بابنه إلى نوح، فيقول له: احذر هذا، فإنّه كذّاب وإنّ أبي حذّر بنيه وأوصاني بمثل هذه الوصيّة، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك. وهذا بيان لوجه دعائه عليهم إظهار بأنه كان من الغيرة في الدين، لا لغلبة غضب النفس لهواها.
٢ - ﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا﴾ يترك طاعتك ﴿كَفَّارًا﴾؛ أي: كثير الكفران لنعمتك. والمعنى: إلا من سيفجر ويكفر، فالوخه ارتفاعهم عن وجه الأرض، والعلم لك. فوصفهم بما يصيرون إليه بعد البلوغ، فهو من مجاز الأول، وكأنه اعتفارٌ مما عسى يرد عليه من أنّ الدعاء بالاستئصال مع احتمال أن يكون من أخلافهم من يؤمن منكر، وإنما قاله بالوحي لقوله تعالى في سورة هود: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ﴾ قال بعضهم: لا يلد الحيّة إلا الحيّة، وذلك في الأغلب. ومن هناك قيل: إذا طاب أصل المرء طابت فروعه، ونحوه: الولد سرّ أبيه. قال بعضهم في توجيهه: إن الولد إذا كبر إنما يتعلم من أوصاف أبيه، أو يسرق من طباعه بل قد يصحب المرء رجلًا، فيسرق من طباعه الخير والشرّ.
واعلم: أنه لا يجوز أن يدعى على كافر معيّن؛ لأنَّا لا نعلم خاتمته. ويجوز على الكفار والفجار مطلقًا، وقد دعا عليه السلام على من تحزب على المؤمنين. وهذا هو الأصل في الدعاء على الكافرين.
٢٨ - ثم لما دعا على الكافرين أتبعه بالدعاء لنفسه، ووالديه والمؤمنين، فقال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي﴾ ذنوبي، وهي ما صدر منه من ترك الأولى. ﴿وَلِوَالِدَيَّ﴾ ذنوبهما، وكانا (١) مسلمين على ملّة إدريس عليه السلام، وأبوه: لامك بن متوشلخ بصيغ اسم