البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: إفراد الإنذار في قوله: ﴿إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ﴾ مع كونه بشيرًا أيضًا؛ لأن الإنذار أقوى في تأثير الدعوة، لما أن أكثر الناس يطيعون أوّلًا بالخوف من القهر وثانيًا بالطمع في العطاء كما مرّ.
ومنها: إسناد الزيادة إلى الدعاء في قوله ﴿فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ مع أنها فعل الله تعالى لسببيته لها.
ومنها: الطباق بين ﴿لَيْلًا﴾ و ﴿نَهَارًا﴾، وبين ﴿أَعْلنَتُ﴾ و ﴿أَسْرَرْتُ﴾ وبين ﴿جِهَارًا﴾ و ﴿إِسْرَارًا﴾، وبين ﴿يُعِيدُكُمْ﴾ و ﴿يُخْرِجُكُمْ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ﴾ المراد رؤوس الأصابع من إطلاق الكلّ وإرادة الجزء.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ﴾ لأنّه كناية عن المبالغة في إعراضهم عمّا دعاهم إليه، فهم بمثابة من سدّ سمعه وغشى بصره كيلا يسمع ولا يرى. وقيل: الكلام حقيقي كما مرّ.
ومنها: تكرار الدعاء في قوله: ﴿ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (٨)﴾ تأكيدًا ومبالغة في الدعاء.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾، وعلاقته المحلية، فقد أراد بالسماء المطر؛ لأنّ المطر ينزل من السماء، كما قال الشاعر:

إذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاه وَإِنْ كَانُوْا غِضَابَا
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (١٧)﴾؛ لأنّه شبّههم بالنبات، فقد استعار الإنبات للإنشاء، فاشتق من الإنبات بمعنى الإنشاء أثبت بمعنى أنشأ على طريقة الاستعارة التصريحيّة التبعيّة، وكانت هذه الاستعارة ذات فائدة؛ لأنها دلت على الحدوث، فإنهم إذا كانوا نباتًا كانوا محدثين لا محالة حدوث النبات.


الصفحة التالية
Icon