الناس وعده في أسمائه، وإنما المزمل مشتق من حالته التي كان عليها حين الخطاب، وكذا المدّثّر. وفي خطابه (١) - ﷺ - بهذا الاسم فائدتان:
إحداهما: الملاطفة، فإن العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب وترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها كقول النبي - ﷺ - لعليّ رضي الله عنه حين غاضب فاطمة رضي الله عنها، أي: أغضبها وأغضبته، فأتاه وهو نائم قد لصق بجنبه التراب، فقال له: قم يا أبا تراب إشعارًا بأنه غير عاتب عليه، وملاطفة له، وكذلك قوله - ﷺ - لحذيفة رضي الله عنه: قم يا نومان، وكان نائمًا ملاطفة وإشعارًا بترك العتب. والتأديب. فقول الله تعالى لمحمد - ﷺ -: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١)﴾ تأنيس وملاطفة له، ليستشعر أنه غير عاتب عليه.
والفائدة الثانية: التنبيه لكل متزمل راقد ليله لينتبه إلى قيام الليل وذكر الله تعالى؛ لأنّ الاسم المشتق من الفعل يشترك فيه مع المخاطب كل من عمل بذلك العمل، واتصف بتلك الصفة انتهى.
وفي "فتح الرحمن": الخطاب الخاص بالنبي - ﷺ - كـ ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ ونحوه عام للأمة إلا بدليل يخصه. وهذا قول أحمد، والحنفية، والمالكية. وقال أكثر الشافعية: لا يعمهم إلا بدليل. وخطابه - ﷺ - لواحد من الأمة هل يعم غيره؟ قال الشافعي والحنفية والأكثر: لا يعم. وقال أبو الخطاب من أئمة الحنابلة: إن وقع جوابًا عم، وإلا فلا.
٢ - ﴿قُمِ اللَّيْلَ﴾ ولا تتزمل ولا ترقد، ودع هذه الحال لما هو أفضل منها، وقم إلى الصلاة في الليل.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿قُمِ اللَّيْلَ﴾ بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين. وقرأ أبو السمال بضمها إتباعًا لحركة القاف. وقرىء بفتحها طلبًا للتخفيف. قال عثمان بن جنيّ: الغرض بالحركة الهرب من التقاء الساكنين، فبأي حركة تحرك الحرف حصل الغرض.
فانتصاب (٣) ﴿اللَّيْلَ﴾ على الظرفية، ان كان الحدث الواقع فيه أعني: القيام المأمور به يستغرق جميع الليل، ولذلك صحّ الاستثناء منه؛ إذ لو كان غير مستغرق
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.