لم يصح الاستثناء منه، واستغراق جميعه بالقيام على الدوام غير ممكن، فلذلك استثني منه لراحة الجسد، فحذف (في) وأوصل الفعل إليه فنصب؛ لأن عمل الجر لا يكون في الفعل، والنصب أقرب إليه من الرفع، ومن ذلك قال بعضهم: هو مفعول نظرًا إلى الظاهر في الاستعمال، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وقوله: ﴿لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ﴾ في أحد الوجهين كما سبق.
وحد الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر. قال بعضهم: إنّ الله اشتاق إلى مناجاة حبيبه، فناداه أن يقوم في جوف الليل. وقد قالوا: إنّ القيام والمناجاة ليسا من الدنيا بل من الجنة لما يجده أهل الذوق من الحلاوة. وقيل: معنى (١) ﴿قُمِ﴾ صل، عبر به عنه تجوزًا.
﴿إِلَّا قَلِيلًا﴾ استثناء من الليل. أي: صل الليل كله إلا يسيرًا منه، والقليل من الشيء هو ما دون النصف، وقيل: ما دون السدس، وقيل: ما دون العشر. وقال مقاتل والكلبي: المراد بالقليل هنا الثلث. وقد أغنانا عن هذا الاختلاف.
٣ - قوله: ﴿نِصْفَهُ﴾ بالنصب بدل من الليل الباقي بعد الاستثناء بدل الكل. والنصف (٢) أحد شقي الشيء. أي: قم نصفه. والتعبير عن النصف المخرج بالقليل لإظهار كمال الاعتداد بشأن الجزء المقارن للقيام والإيذان بفضله وكون القيام فيه بمنزلة القيام في أكثره في كثرة الثواب. يعني: أنه يجوز أن يوصف النصف المستثنى بكونه قليلًا بالنسبة إلى النصف المشغول بالعبادة مع أنهما متساويان في المقدار من حيث إن النصف الفارغ لا يساويه بحسب الفضيلة والشرف، فالاعتبار بالكيفية لا بالكمية. وقال بعضهم: إن القلة في النصف بالنسبة إلى الكل لا إلى العديل الآخر، وإلا لزم أن يكون أحد النصفين المتساويين أقل من الآخر، وفيه أنه من عرائه عن الفائدة خلاف الظاهر، كما في الإرشاد.
﴿أَوِ انْقُصْ مِنْهُ﴾ أي: أو انقص القيام من النصف المقارن له إلى الثلث ﴿قَلِيلًا﴾ أي نقصانًا قليلًا أو مقدارًا قليلًا بحيث لا ينحط إلى نصف الليل
٤ - ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ أي زد القيام على النصف المقارن له إلى الثلثين. فالمعنى: تخييره - ﷺ - بين أن يقوم نصفه أو أقل منه أو أكثر. أي: قم إلى الصلاة في الزمان المحدود المسمى بالليل إلا في
(٢) روح البيان.