الجزء القليل منه، وهو نصفه أو انقص القيام من نصفه أو زد عليه، فكأنه قال: قم ثلثي اللَّيل أو نصفه أو ثلثه. وقيل: إن ﴿نِصْفَهُ﴾ بدل من قوله: ﴿قَلِيلًا﴾، ويكون الضميران في ﴿مِنهُ﴾ و ﴿عَلَيْهِ﴾ راجعين إلى النصف المبدل من ﴿قَلِيلًا﴾: فيكون المعنى ﴿قُمِ اللَّيْلَ﴾ إلا نصفه أو أقل من نصفه أو أكثر من نصفه. قال الواحدي: وهذا المعنى هو الظاهر.
قيل: وهذا التخيير (١) بحسب طول الليالي وقصرها، فالنصف إذا استوى الليل والنهار، والنقص منه إذا قصر الليل، والزيادة عليه.. إذا طال الليل. فكان (٢) النبيّ - ﷺ - وأصحابه يقومون على هذه المقادير، وكان الرجل منهم لا يدري متى ثلث الليل أو متى نصفه أو متى ثلثاه؟ فكان يقوم الليل كله حتى يصبح، مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب. واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم، فرحمهم الله تعالى، وخفف عنهم ونسخها عنهم بقوله: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾. قيل: ليس في القرآن سورة نسخ آخرها أوّلَها إلا هذه السورة، وكان بين نزول أولها ونزول آخرها سنة، وقيل: ستة عشر شهرًا. وكان قيام الليل فرضًا ثم نسخ بعد ذلك في حق الأمة بالصلوات الخمس، وثبتت فريضته على النبي - ﷺ - بقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾.
والمعنى: يا أيها النبي المتزمل بثيابه المتهيّىء للصلاة دم عليها الليل كله إلا قليلًا. ثم فسر هذا القليل: ﴿نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ﴾ إلخ؛ أي إلا قليلًا وهو النصف أو انقص من النصف، أو زد على النصف إلى الثلثين، فهو - ﷺ - قد خير بين الثلث والنصف والثلثين.
وقصارى ذلك: أنه أمر أن يقوم نصف الليل، أو يزيد عليه قليلًا أو ينقص منه قليلًا، ولا حرج عليه في واحد من الثلاثة.
أخرج مسلم عن سعد بن هشام قال: انطلقت إلى عائشة، فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله - ﷺ -؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق رسول الله - ﷺ - كان القرآن. فقلت: فقيام رسول الله - ﷺ - يا أم المؤمنين؟ قالت: ألست تقرأ المزّمّل؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله افترض القيام في

(١) روح البيان.
(٢) الخازن.


الصفحة التالية
Icon