أوّل هذه السورة، فقام رسول الله - ﷺ - وأصحابه حولًا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة. فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة.
واختلف في الناسخ لهذا الأمر، فقيل: هو قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ﴾ إلى آخر السورة. وقيل: هو قوله: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ وقيل: هو قوله: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾، وقيل غير ذلك.
وبعد أن أمره بقيام الليل للصلاة أمره بترتيل القرآن فقال: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ﴾ في أثناء ما ذكر من قيام الليل؛ أي: اقرأه على تؤدةٍ وتمهلٍ وتبيين حروف. ﴿تَرْتِيلًا﴾ بليغًا وتبيينًا واضحًا بحيث يتمكن السامع من عدها، ولذا نهى ابن مسعود رضي الله عنه عن التعجل، وقال: ولا يكن هم أحدكم آخر السورة. يعني: لا بد للقارىء من الترتيل ليتمكن هو ومن حضره من التأمل في حقائق الآيات. فعند الوصول إلى ذكر الله يستشعر عظمته وجلاله، وعند الوصول إلى الوعد والوعيد يقع في الرجاء والخوف، وليسلم نظم القرآن من الخلل والزلل.
قال في "الكشاف": ترتيل القرآن قراءته على ترسّل وتؤدة بتبيين الحروف، وإشباع الحركات حتى يجيء المتلوّ منه شبيهًا بالثغر المرتل، وهو المفلّج المشبه بنور الأقحوان، وأن لا يهزّه هزًا، ولا يسرده سردًا. والأمر بترتيل القرآن يشعر بأنّ الأمر بقيام الليل نزل بعدما تعلم - ﷺ - مقدارًا منه وإن قلّ.
٥ - وقوله: ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (٥)﴾ على الاستقبال بالنسبة إلى بقيّة القرآن. ثم الظاهر أن الأمر به يعم الأمة، لأنه أمر مهم للكل، والأمر للوجوب، كما دل عليه التأكيد بالمصدر أو للندب.
والمعنى: واقرأ القرآن على تمهّل، فإنه أعون على فهمه وتدبّره، وكذلك كان - ﷺ -. قالت عائشة رضي الله عنها: كان يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها. وجاء في الحديث: "زيّنوا القرآن بأصواتكم" ولقد أوتى هذا مزمارًا من مزامير آل داود". يعني: أبا موسى الأشعريّ، فقال أبو موسى: لو كنت أعلم أنّك كنت تسمع قراءتي لحبّرته لك تحبيرًا". "وعن عبد الله بن مغفّل قال: رأيت رسول الله - ﷺ - يوم فتح مكة على ناقته يقرأ سورة الفتح، فرجع في قراءته"، أخرجه