٦ - ثم عقل الأمر بقيام الليل فقال: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ﴾؛ أي: إنَّ قيام الليل وعبادته التي تنشأ، وتحدث فيه على أنّ الناشئة مصدر من نشأ بمعنى: نهض وقام كالعافية بمعنى العفو. وهذا وافق لسان الحبشة، حيث يقولون: نشأ إذا قام. ﴿أَشَدُّ﴾؛ أي: أشقّ ﴿وَطْئًا﴾؛ أي: تعبًا وضررًا؛ أي: أثقل وأغلظ على المصلّي من صلاة النهار، فيكون أفضل وأكثر أجرًا، فإن كل واحد من قيام الليل ومن العبادة التي تحدث فيه ثقيلان على العابد من قيام النهار والعبادة فيه.
ويحتمل (١) أن يكون المراد بناشئة الليل ساعاته، فإنها تحدث واحدة بعد واحدة، أي: ساعات الليل الناشئة؛ أي: الحادثة شيئًا فشيئًا، فتكون الناشئة صفة ساعات الليل أشدّ وطئًا؛ أي: بملاحظة القيام منها؛ أي: إن ساعات الليل أشد مواطأة؛ أي: أكثر موافقة بين السمع والبصر والقلب واللسان لانقطاع الحركات والأصوات فيها، وأثبت للعبادة؛ لأن الليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش وعبادته تدوم ولا تنقطع. وقال الكلبيّ: أشدّ نشاطًا وأكثر فراغًا.
ويحتمل أن يكون المعنى: إن النفس التي تنشأ وتنهض وتقوم في الليل من مضجعها إلى العبادة، من نشأ من مكانه إذا نهض. فالموصوف محذوف، والإضافة للملابسة بمعنى النفس الناشئة القائمة للصلاة في الليل. ﴿هِيَ﴾ خاصة ﴿أَشَدُّ وَطْئًا﴾؛ أي: كلفة وثقلًا. مصدر قولك: وطىء الشيء؛ أي: داسه برجله أو جعل عليه ثقله، فإن النفس القائمة بالليل إلى العبادة أشد وطئًا وكلفةً ومشقةً من التي تقوم بالنهار، فلا بد من قيام الليل، فإن أفضل العبادات أشقها. ويجوز أن يكون معنى ﴿أَشَدُّ وَطْئًا﴾: أشد ثبات قدمٍ واستقرارها، فيكون المقصود بيان وجه اختيار الليل وتخصيصه بالأمر بالقيام فيه من حيث إنه تعالى جعل الليل لباسًا يستر الناس، ويمنعهم عن الاضطراب والانقلاب في اكتساب المعاش، وجعل النهار معاشا يباشرون فيه أمور معاشهم، فلا تثبت فيه أقدامهم للعبادة. ﴿وَأَقْوَمُ قِيلًا﴾؛ أي: (٢) أصوب قراءة، وأصح قولًا من النهار لهدأة الناس وسكون الأصوات. وقيل: معناه أبين قولًا للقرآن.
والحاصل: أن عبادة الليل أشد نشاطًا، وأتم إخلاصًا، وأبعد عن الرياء،
(٢) الخازن.