حوائجك، ويقال: سبخ الحر: فتر وخف، ومنه قول الشاعر:
فَسبِّخْ عَلَيْكَ الهَمَّ وَاعْلَمْ بِأَنَّهُ | إِذَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ شَيْئًا فَكَائِنُ |
ومعنى الآية (١): أي إن لك في النهار تقلبًا وتصرَّفًا في مهام أمورك واشتغالًا بشواغلك، فلا تستطيع أن تتفرغ فيه للعبادة، فعليك بالتهجد، فإن مناجاة الرب يعوزها الفراغ والتخلي عن العمل.
٨ - ثم أمر رسوله بمداومة الذكر والإخلاص له، فقال: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ﴾؛ أي: ودم على ذكره تعالى ليلًا ونهارًا على أي وجه كان من تسبيح وتهليل وتحميد وصلاة وقراءة قرآن ودراسة علم، خصوصًا بعد صلاة الغداة وصلاة العصر؛ لأنه وقت يتعاقب فيه ملائكة الليل والنهار. وقيل: ادعه بأسمائه الحسنى. وقيل: اقرأ باسم ربك في ابتداء صلاتك. وقيل: اذكر اسم ربك في وعده ووعيده لتوفر على طاعته وتبعد عن معصيته. وقال الكلبيّ: المعنى: صل لربك. ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾؛ أي: وانقطع إليه تعالى انقطاعًا بالاشتغال بعبادته من تبتل إلى الشيء إذا انقطع إليه؛ أي: وانقطع إلى ربك انقطاعًا تامًّا بالعبادة وإخلاص النية والتوجه الكلّيّ. وليس (٢) هذا يعارض قوله - ﷺ -: "لا رهبانية ولا تبتّل في الإِسلام "؛ لأن ما هنا هو الانقطاع عن الشواغل إلى العبادة، والمنفيّ في الحديث هو الانقطاع عن النكاح. ومنه قيل لمريم العذراء: البتول؛ أي: المنقطعة عن الرجال. ووضع ﴿تَبْتِيلًا﴾ مكان تبتلا لرعاية الفواصل. قال الواحدي: والتبتّل: رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله تعالى.
والمعنى: أي ودم على ذكره ليلًا ونهارًا بالتسبيح والتهليل والتحميد والصلاة وقراءة القرآن، وانقطع إليه بالعبادة، وجرّد إليه نفسك، وأعرض عمّا سواه. ونحو الآية: قوله تعالى: ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧)﴾؛ أي: فإذا فرغت من شؤونك فانصب في طاعته وعبادته، لتكون فارغ القلب خاليًا من الهواجس والوساوس الدنيوية.
٩ - ثم بين السبب في الأمر بالذكر والتبتل فقال: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ﴾؛ أي:
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.
(٢) روح البيان.