عصيان موسى. وفي ترك ذكر أملاء فرعون إشارة إلى أن كل واحد منهم كأنه فرعون في نفسه لتمرده.
﴿فَأَخَذْنَاهُ﴾ بسبب عصيانه ﴿أَخْذًا وَبِيلًا﴾؛ أي: ثقيلًا شديدًا. والوبيل: الثقيل الغليظ، ومنه: الوابل للمطر العظيم، والكلام خارج عن التشبيه، جيء به للتنبيه على أنه سيحيق بهؤلاء ما حاق بأولئك لا محالة.
والمعنى (١): أي إنّا أرسلنا إليكم رسولًا يشهد عليكم بإجابة من أجاب منكم دعوتي، وامتناع من امتنع من الإجابة يوم تلقونني في القيامة، كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا يدعوه إلى الحق، فعصى فرعون الرسول الذي أرسلناه إليه، فأخذناه أخذًا شديدًا، فأهلكناه ومن معه بالغرق، فاحذروا أن تكذبوا هذا الرسول، فيصيبكم مثل ما أصابه.
وقصارى ذلك: كما أرسلنا إلى فرعون رسولًا فعصاه، فأخذناه أخذًا وبيلًا أرسلنا إليكم رسولًا شاهدًا عليكم، فاحذروا أن تعصوه، فيصيبكم مثل ما أصابه.
١٧ - وبعد أن هددهم بعذاب الدنيا أعاد الكرّة بتخويفهم بعذاب الآخرة، فقال: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ﴾ أي: كيف تتقون وتحفظون أنفسكم ﴿إِنْ كَفَرْتُمْ﴾؛ أي: إن بقيتم على كفركم ﴿يَوْمًا﴾، أي: عذاب يوم ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ﴾ والصبيان ﴿شِيبًا﴾؛ أي: شيوخًا لشدة هوله. وقرأ الجمهور ﴿يَوْمًا﴾ منونا ﴿يَجْعَلُ﴾ بالياء، والجملة صفة لـ ﴿يَوْمًا﴾. وقرأ زيد بن عليّ ﴿يَوْمًا﴾ بغير تنوين، و ﴿نجعل﴾ بالنون، فالظرف مضاف إلى الجملة. والشيب: جمع أشيب، وهذا يجوز أن يكون حقيقة وأنهم يصيرون كذلك أو تمثيلًا لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه، وضعفت أعضاؤه وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوة. وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم. و ﴿يَوْمًا﴾ مفعول به لتتقون. قال ابن الأنباري: ومنهم من نصب اليوم بـ ﴿كفرتم﴾، وهذا قبيح انتهى.
قال ابن الشيخ: قوله: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ﴾ مرتب على الإرسال، فالعصيان، وكان الظاهر أن يقدم على قوله: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا﴾ إلا أنه أخر زيادة في التهويل؛ إذ علم من