قوله: ﴿فَأَخَذْنَاهُ﴾ أنهم مأخوذون مثله وأشد، فإذا قيل بعده: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ﴾ كان ذلك زيادة كأنه قيل: هبوا أنكم لا تؤخذون في الدنيا أخذة فرعون وأمثاله، فكيف تتقون؟ أي: تقون أنفسكم عذاب يوم إلخ. فاتَّقى هنا بمعنى وقى المتعدي إلى مفعولين؛ لأن افتعل يجيء بمعنى فعل الثلاثي. نص عليه الزمخشري في "المفصل".
ويجوز (١) أن يكون ﴿يَوْمًا﴾ ظرفًا؛ أي: فكيف لكم بالتقوى، والتوحيد في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا؟ أي: لا سبيل إليه لفوات وقته، فاتقى على حاله، وكذا ﴿إذا﴾ انتصب بـ ﴿كَفَرْتُمْ﴾ على تأويل جحدتم؛ أي: فكيف تتقون الله وتخشون عقابه إن جحدتم يوم القيامة والجزاء ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ﴾ من شدة هوله وفظاعة ما فيه من الدّواهي، وهو صفة لـ ﴿يَوْمًا﴾، نسب الجعل إلى اليوم للمبالغة في شدته، وإلا فنفس اليوم لا تأثير له ألبتة. و ﴿الْوِلْدَانَ﴾: جمع وليد، يقال لمن قرب عهده بالولادة، وإن كان في الأصل يصح إطلاقه على من قرب عهده بها ومن بعد. ﴿شِيبًا﴾؛ أي: شيوخًا جمع أشيب، والشيب: بياض الشعر كبيض جمع أبيض، وسيأتي تمام البحث فيه في مبحث التصريف إن شاء الله تعالى، وقد سبق لك قريبًا أن جعلهم شيوخًا إما محمول على الحقيقة كما ذهب إليه بعضهم.
فإن قلت: إيصال الألم والضرر إلى الصبيان يوم القيامة غير جائز بل هم لكونهم غير مكلفين معصومون محفوظون عن كل خطر.
قلت: قد يكون في القيامة من هيبة المقام ما يجثوا به الأنبياء عليهم السلام على الركب، فما ظنك بغيرهم من الأولياء والشيوخ والشبان والصبيان؟ وفي الآية مبالغة، وهي أنه إذا كان ذلك اليوم يجعل الولدان شيبًا، وهم أبعد الناس من الشيخوخة لقرب عهدهم بالولادة، فغيرهم أولى بذلك. وإما محمول على التمثيل بأن شبه اليوم في شدة هوله بالزمان الذي يشيب الشبان لكثرة همومه وأهواله.
وأصله: أن الهموم والأحزان إذا تفاقمت على المرء.. ضعفت قواه، وأسرع فيه الشيب؛ لأنّ كثرة الهموم توجب انعصار الروح إلى داخل القلب، وذلك الانعصار يوجب انطفاء الحرارة الغريزية وضعفها وانطفاؤها يوجب بقاء الأجزاء