الغذائية غير تامة النضج، وذلك يوجب بياض الشعر ومسارعة الشيب بتقدير العزيز العلم، كما يوجب تغير القلب تغير البشرة، فتحصل الصفرة من الوجل والحمرة من الخجل والسواد من بعض الآلام، وما على البدن من الشعر تابع للبدن فتغيره يوجب تغيره. فثبت أن كثرة الهموم توجب مسارعة الشيب، كما قال المتنبي:
وَالْهَمُّ يَخْتَرِمُ الْجَسِيْمَ نَحَافَةً | وَيُشِيبُ ناصِيَةً الصَّبِيَّ وَيُهْرِمُ |
دَهَتْنا أُمُوْرٌ تُشِيبُ الوَلِيدَ | وَيَخْذِلُ فِيهَا الصَّدِيقُ الصَّدِيقْ |
١٨ - ثم زاد في وصف ذلك اليوم بالشدّة، فقال: ﴿السَّمَاءُ﴾ مبتدأ، خبره قوله: ﴿مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾؛ أي: منشق بسبب ذلك اليوم؛ لأن الله تعالى مسبب الأسباب، فيجوز أن يجعل شدة ذلك اليوم سببًا للانفطار، والجملة صفة أخرى لـ ﴿يَوْمًا﴾؛ والباء سببية؛ أي: متشقّقة بسببه لشدّته وعظيم هوله. وقيل: هي بمعنى في؛ أي: منفطر فيه، وقيل: بمعنى اللام؛ أي: منفطر له. وإنما قال: ﴿مُنْفَطِرٌ﴾ ولم يقل: منفطرة لتنزيل السماء منزلة الشيء، لكونها قد تغيّرت، ولم يبق منها إلا ما يعبر عنه بالشيء. وقال الفراء: السماء تذكر وتؤنث. وقيل: غير ذلك. وقيل: الضمير في ﴿بِهِ﴾ عائد إلى الله؛ أي: منفطر بالله، والمراد منفطر بأمره تعالى. والأول أولى.
واعلم: أن الله ذكر من هول ذلك اليوم أمرين:
الأول: قوله تعالى: ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾.
والثاني: قوله: ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾؛ لأن السماء على عظمتها وقوتها إذا انشقت بسبب ذلك اليوم، فما ظنك بغيرها من الخلائق؟ فالباء للسببية، وهو الظاهر. وتذكير الخبر لإجرائه على موصوف مذكر؛ أي: شيء منفطر، عبر عنها بذلك للتنبيه على أنه تبدلت سقيفتها، وزال عنها اسمها ورسمها، ولم يبق منها إلا ما يعبر عنه بالشيء.
﴿كَانَ وَعْدُهُ﴾ سبحانه وتعالى. فالضمير إمّا لله وإن لم يجر له ذكر للعلم به،