والجهاد في التجارة لنفع المسلمين. قال ابن مسعود: أيّما رجل جلب شيئًا إلى مدينة من مدائن الإسلام صابرًا محتسبًا، فباعه بسعر يومه كان عند الله من الشهداء، ثم قرأ قوله تعالى: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾. وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن عمر رضي الله عنه قال: ما من حال يأتيني عليه الموت بعد الجهاد في سبيل الله أحب إلى من أن يأتيني، وأنا بين شعبتي جبل ألتمس من فضل الله، وتلا: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾.
ولما ذكر سبحانه ثلاثة أسباب مقتضية للترخيص، ورفع وجوب القيام عن هذه الأمّة ذكر ما يفعلونه بعد هذا الترخيص، فقال: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ﴾ والفاء: فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا كان الأمر كما ذكر من الأعذار، وتعاضدت الدواعي إلى الترخيص، وأردتم بيان ما هو الأسهل عليكم.. فأقول لكم: اقرؤوا ما تيسّر منه؛ أي: صلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، أو فاقرؤوا في صلاة الليل ما خف عليكم وتيسر لكم منه من غير تحمل المشاقّ.
وهذا (١) تأكيد للأوّل، فالأوّل مفرع على قوله تعالى: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ إلخ، وهذا مفرع على قوله: ﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى﴾ إلخ. فكل من المؤكّد والمؤكّد مفرع على حكمة.
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾؛ أي: صلوا الصلاة المفروضة، وأدّوها في أوقاتها، وقوموها بأركانها وشروطها وآدابها، فلا تكون قلوبكم غافلةً، ولا أفعالكم خارجةً عمّا رسمه الدين. ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾؛ أي: أعطوا الزكاة الواجبة في أموالكم لمستحقيها. وقيل (٢): هي زكاة الفطر، إذ لم يكن بمكة زكاة غيرها، وإنما وجبت بعدها. ومن فسّرها بالزكاة المفروضة في الأموال جعل آخر السورة مدنيًّا. وذلك إن لم نجعلها من باب ما تأخر حكمه عن نزوله ففيه دلالة على أنه سينجز وعده لرسوله، ويقيم دينه، ويظهر حتى تفرض الزكاة وتؤدي.
﴿وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾؛ أي: أنفقوا إنفاقًا حسنًا لا منّ فيه، ولا أذى من أموالكم في سبيل الخير، والتطوع للإفراد والجماعات مما هو نافع لها في رقيّها
(٢) روح البيان.