المدنيّ والاجتماعيّ، وسيبقى لكم جزاء ذلك عند ربكم. والقرض ضرب من القطع، وسمي ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط رد بدله قرضًا؛ لأنه مقروض مقطوع من ماله، أريد به الإنفاقات في سبيل الخيرات غير المفروض، فإنها كالقرض الذي لا خلف في أدائه. وفيه حث على التطوع، كما قال - ﷺ - "إنّ في المال حقًّا سوى الزكاة". على أحسن وجه، وهو إخراجها من أطيب الأموال وأكثرها نفعًا للفقراء بحسن النية وصفاء القلب إلى أحوج الصلحاء. ونحو الآية قوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾.
ثم حبب في الصدقة وفعل الخيرات، فقال: ﴿وَمَا﴾ شرطية ﴿تُقَدِّمُوا﴾ في الدنيا ذخرا ﴿لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ أي خير كان مما ذكر ومما لم يذكر ﴿تَجِدُوهُ﴾ جواب الشرط، ولذا جزم؛ أي: تجدوا ثوابه ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ سبحانه في الآخرة ﴿هُوَ﴾ تأكيد للضمير ﴿خَيْرًا﴾ وأنفع لكم من متاع الدنيا ﴿و﴾ تجدوه هو ﴿أَعْظَمَ﴾؛ أي: أكثر ﴿أَجْرًا﴾ وثوابًا من الذي تؤخّرونه إلى الوصية عند الموت، أي: ما تنفقونه في حال الصحة أكثر ثوابًا مما تنفقونه بالوصية بعد الموت. وقوله: ﴿خَيْرًا﴾ (١)، ثاني مفعولي ﴿تَجدُوُه﴾ و ﴿هُوَ﴾ تأكيد للمفعول الأول لـ ﴿تَجدُوُه﴾ وفصل بينه وبين الفعول الثاني وإن لم يقع بين معرفتين فإنّ أفعل في حكم المعرفة. وذلك يمتنع من حرف التعريف وقوله: ﴿وَأَعْظَمَ﴾ عطف على ﴿خَيْرًا﴾ و ﴿أَجْرًا﴾ تمييز عن نسبة الفاعل. والأجر: ما يعود من ثواب العمل دنيويًا كان أو أخرويًا.
وقال بعضهم: المشهور أنّ وجد إذا كان بمعنى. صادف يتعدى إلى مفعول واحد، وهو هاهنا بمعناه لا بمعنى علم، فلا بُدَّ أن يكون ﴿خَيْرًا﴾ حالًا من الضمير. وفي الحديث: "اعلموا أنَّ كل امرىء على ما قدم قادم، وعلى ما خلف نادم". وعنه - ﷺ -: "إنّ العبد إذا مات.. قال الناس: ما خلف وقالت الملائكة: ما قدم". ومر عمر ببقيع الغرقد؛ أي: مقبرة المدينة، سمّيت بذلك لأنها كانت منبت الغرقد، وهو بالغين المعجمة اسم شجر. فقال: السلام عليكم أهل القبور أخبار ما عندنا أن نساءكم قد تزوجن، ودوركم قد سكنت، وأموالكم قد قسمت، فأجابه هاتف يا ابن الخطاب أخبار ماء عندنا أن ما قدمناه وجدناه، وما أنفقناه فقد ربحناه، وما خلفنا

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon