فعصاه فرعون جريًا على القاعدة المشهورة عندهم المذكورة في قول بعضهم:

ثُمَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُشْتَهَرَه إِذَا أَتَتْ نَكِرَةٌ مُكَرَّرَه
تَغَايَرَتْ وَإِنْ يُعَرَّفْ ثَانِي تَوَافَقَا كَذَا الْمُعَرَّفَانِ
﴿وَبِيلًا﴾؛ أي: ثقيلًا شديدًا لا يطاق، من قولهم: كلأٌ وبيلٌ، وضيمٌ لا يستمرأ لثقله، والوبيل: العصا الضخمة، ومنه: الوابل للمطر العظيم. وفي "المصباح": وبلت السماء وبلا من باب وعد، ووبولًا: اشتد مطرها، وكان الأصل: وبل مطر السماء، فحذف للعلم به، ولهذا يقال للمطر: وابل، والوبيل: الوضيم وزنا ومعنى. ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ﴾ والولدان: جمع وليد، يقال لمن قرب عهده: بالولادة، وإن كان في الأصل يصح إطلاقه على من قرب عهده بها، ومن بَعُدَ. ﴿شِيبًا﴾ جمع أشيب، والشيب: بياض الشعر، وأصله: أن يكون بضم الشين كحمر في جمع أحمر؛ لأن الضم يقتضي الواو فكسرت لأجل صيانة الياء فرقًا بين مثل سود وبين مثل بيض. ﴿كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا﴾ قال في "الصحاح": الوعد يستعمل في الخير والشر، فإذا أسقطوا الخير والشر قالوا في الخير: الوعد والعدة، وفي الشر: الإيعاد والوعيد، انتهى. ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ بوزن تفعلة، ووزن التفعلة غير مقيس في فعل الصحيح، بل هو مقيس في معتل اللام منه كزكى تزكية وعزَّى تعزية، وقياسه هنا التذكير ولكنه جاء على سبيل النيابة كفرَّق تفرقة والقياس التفريق.
﴿تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ﴾ أصله: أدنى بوزن أفعل، قلبت الياء ألفًا لتحركها بعد فتح. ﴿وَثُلُثَهُ﴾ والثلث: أحد أجزاء الثلاثة، والجمع أثلاث. ﴿وَطَائِفَةٌ﴾ فيه إعلال بالقلب، أصله: طاوفة؛ لأنه من طاف يطوف، قلبت الواو همزة حملًا للوصف على فعله طاف في الإعلال. ﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ﴾ قال الراغب: التقدير: تبيين كمية الشيء، وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ﴾... إلخ، إشارة إلى ما أجرى من تكوير الليل على النهار وتكوير النهار على الليل؛ أي: إدخال هذا في هذا، كما مرّ. ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ﴾ أصله: تحصيوه، استثقلت الضمة على الياء فحذفت فلما سكنت حذفت لإلتقاء الساكنين، وضمت الصاد لمناسبة الياء. قال الراغب: الإحصاء: التحصيل بالعدد. ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ أصله: توب بوزن فعل، قلبت الواو ألفًا لتحركها بعد فتح.


الصفحة التالية
Icon