﴿عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى﴾ جمع مريض كقتلى جمع قتيل، والمرض: الخروج عن الاعتدال الخاصّ بالإنسان. ﴿يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ من ضرب في الأرض إذ سافر فيها ابتغاء الزرق. قال الراغب: الضرب في الأرض: الذهاب فيها، وهو بالأرجل. ﴿يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾؛ أي: يطلبون من رزق الله، أصله: يبتغيون استثقلت الضمة على الياء، فحذفت فسكنت فحذفت لالتقاء الساكنين، وضمت الغين لمناسبة الواو. ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ والقرض: ضرب من القطع، وسمي ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط ردّ بدله قرضًا، لأنّه مقروض مقطوع من ماله. ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ تجدوه فيه إعلال بالحذف، أصله: توجدونه، حذفت نون الرفع للجازم حيث وقع جوابًا لـ ﴿ما﴾ الشرطية، وحذفت فاء الكلمة من المضارع اطرادًا لوقوع الواو بين عدوتيها الياء المفتوحة والكسرة. ﴿أَجْرًا﴾ الأجر: ما يعود من ثواب العلم دنيويًّا كان أو أخرويًّا، كما مرّ.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق بين ﴿أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا﴾ و ﴿أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾، وبين ﴿الْمَشْرِقِ﴾ ﴿وَالْمَغْرِبِ﴾، وبين ﴿اللَّيْلِ﴾ ﴿وَالنَّهَارِ﴾.
ومنها: تأكيد الفعل بالمصدر في قوله: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾، وقوله: ﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾، وفي قوله: ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾. وفي قوله: ﴿فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا﴾. زيادة في البيان والإيضاح وفي هذه الأمثلة أيضًا. جناس الاشتقاق.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصليّة في قوله: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (٧)﴾، حيث استعير السبح الذي هو المر السريع في الماء لسرعة الذهاب في طلب المعاش، وقضاء حوائج الناس بجامع التردّد في كل منهما؛ أي: إن لك في النهار تصرّفًا وتقلّبًا في المهمّات كما يتردّد السابح في الماء.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ إشارة إلى هوله وشدّته، بحيث لا يقادر قدره ولا يدرك كنهه.