غيرها، وأقبلت بصغاء وشوق إلى سماع ما يقول الداعي، وقد جرت العادة أن الداعي تصادفه عقبتان:
١ - الغرور والفخر والعظمة، فيقول: أنا مسد للنعم إليكم ومفيض للخير عليكم.
٢ - الأعداء وهؤلاء يؤذونه، ويتربصون به الدوائر، ويتتبعونه في كل مكان، ويتالبون عليه ليل نهار، وذلك من أكبر العوامل المثبطة للدعاة التي تجعلهم يكرّون راجعين، ويقولون: ما لنا ولقوم لا يسمعون قولنا، ولنبتعد عن الناس، فإنهم لا يعرفون قدر النعم، ولا يشكرون المنعمين.
٦ - ومن ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦)﴾ برفع (١) ﴿تَسْتَكْثِرُ﴾؛ لأنّه مستقبل في معنى الحال؛ أي: ولا تعط حال كونك مستكثرًا؛ أي: رائيًا لما تعطيه كثيرًا أو طالبًا للكثير على أنه نهي عن الاستغزار، وهو أن يهب شيئًا وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له أكثر مما أعطاه، وهو جائز، ومنه الحديث: "المستغزر يثاب من هبته"؛ أي: يعوض منها. والغزارة بالغين المعجمة وتقديم الزاي: الكثرة، فالنهي إمّا للتحريم، وهو خاص برسول الله - ﷺ - لعلوّ منصبه في الأخلاق الحسنة، ومن ذلك حلت الزكاة لفقراء أمته، ولم تحل له، ولأهله لشرفه أو للتنزيه للكلّ؛ أي: له ولأمته.
قرأ الجمهور (٢): ﴿وَلَا تَمْنُنْ﴾ بفكّ الإدغام. وقرأ الحسن، وأبو السمال والأشهب العقيلييّ بالإدغام. قال ابن عباس وغيره: لا تعط عطاء لتعطى أكثر منه كأنّه من قولهم: منْ إذا أعطى. قال الضحاك: هذا خاص به - ﷺ - ومباح ذلك لأمته، لكنه لا أجر لهم. وعن ابن عباس أيضًا: لا تقل دعوت فلم أحب. وقرأ الجمهور (٣): ﴿تَسْتَكْثِرُ﴾ بالرفع على أنه حال؛ أي: ولا تمنن حال كونك مستكثرًا؛ أي: رائيًا ما أعطيته كثيرًا. وقيل: على حذف (أن)، والأصل: ولا تمنن أن تستكثر؛ أي: ولا تعط لأجل أن تأخذ كثيرًا من الموهوب له بدل هبتك، فلما حذفت (أن) رفع الفعل، قال الكسائي: فإذا حذف (أن) رفع الفعل. وقرأ يحيى بن

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon