الحاسب ليكون ذلك أشد في لومه وتوبيخه، كأنه قيل: دع تعنيفه على ذلك، فإنه قد بلغ من أمره أنه يريد أن يداوم على فجوره فيما يستأنف من الزمان، ولا يتخلى عنه.
٦ - ثم علل إرادته دوام الفجور بقوله: ﴿يَسْأَلُ﴾؛ أي: الإنسان سؤال استبعاد واستهزاء ﴿أَيَّانَ﴾ أصله؛ أي آن، وهو خبر مقدم لقوله: ﴿يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾؛ أي: متى يكون يوم القيامة؟ والجملة (١) استئناف تعليلي، كأنه قيل: ما يفعل حين يريد أن يفجر ويميل عن الحق؟ فقيل: يستهزىء ويقول: ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾. أو حال من الإنسان في قوله: ﴿بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ﴾؛ أي: ليس إنكاره للبعث لاشتباه الأمر وعدم قيام الدليل على صحة البعث بل يريد أن يستمر على فجوره في حال كونه سائلًا متى تكون القيامة؟. فدل هذا الإنكار على أن الإنسان يميل بطبعه إلى الشهوات، والفكرة في البعث تنغّصها عليه، فلا جرم ينكره ويأبى عن الإقرار به. فقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ﴾ الخ، دل على الشبهة والجهل، وقوله: ﴿بَل يُرِيدُ﴾... إلخ، على الشهوة والتجاهل. فالآيتان بحسب الشخصين.
والمعنى: أي يسأل سؤال متعنت مستبعد متى يكون هذا اليوم؟. ومن أنكر البعث أشد الإنكار.. ارتكب أعظم الآثام، وخب فيها، ووضع غير عابىء بعاقبة ما يصنع ولا مقدر نتائج ما يكتسب. ونحو الآية قوله: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨)﴾، وقوله: ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧)﴾.
وقصارى ما سلف: أنهم أنكروا البعث لوجهين:
١ - شبهة تعترض لخاطر كقولهم: إن أجزاء الجسم إذا تفرقت واختلطت بالتراب، وصارت في مشارق الأرض ومغاربها كيف يمكن تمييزها وإعادتها على النحو الذي كانت عليه أوّلًا؟. ولهؤلاء جاء الرد بقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤)﴾.
٢ - حب الاسترسال في اللذات والاستكثار من الشهوات فلا يود أن يقر

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon