وعكرمة، وأيوب السختياني، وكلثوم بن عياض، ومجاهد، وابن يعمر، وحماد بن سلمة، وأبو رجاء، وعيسى، وابن أبي إسحاق، وأبو حيوة، وابن أبي عبلة، والزهريّ بفتح الميم وكسر الفاء على أنه اسم مكان؛ أي: أين مكان الفرار. وقال الكسائيّ: هما لغتان مثل: مَدَبٍّ وَمدِبٍّ وَمَصَحّ ومِصَحٍّ. وقرأ الزهريّ أيضًا والحسن بكسر الميم وفتح الفاء على أن المراد به الإنسان الجيد الفرار، وأكثر ما يستعمل هذا الوزن في الآلات، وفي صفات الخيل، كقول امرىء القيس:

مِكَرٍّ مِفِرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ مَعَا كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَلِ
أي: جيد الفر والكر.
والمعنى (١): أي يقول الإنسان حينئذٍ لدهشته وحيرته: أين المفر من جهنم؟ وهل من ملجأ منها؟.
١١ - فأجيبوا حينئذ ﴿كَلَّا﴾ ردع لهم من طلب المفر وتمنيه. ﴿لَا وَزَرَ﴾؛ أي: لا جبل ولا حصن ولا ملجأ من الله سبحانه. وقال ابن جبير: لا محيص ولا منعة. والظاهر: أنّ قوله: ﴿كَلَّا لَا وَزَرَ (١١)﴾ من قول الله تعالى. وجوّز (٢) أن يكون من قول الإنسان لنفسه، وهو بعيد. وخبر ﴿لا﴾ محذوف؛ أي: لا ملجأ ثمة أو في الوجود. والوزر في اللغة: ما يلجأ إليه الإنسان من جبل أو حصن أو غيرهما، ومنه قول طرفة:
وَلَقَدْ تَعْلَمُ بَكْرٌ أنَّنَا فَاضِلُوا الرَّأْي وَفِي الرَّوْعِ وَزَرْ
وقال الآخر:
لَعَمْرِيَ مَا لِلَفَتَى مِنْ وَزَرْ مِنَ المَوْتِ يُدْرِكُهُ وَالكِبَرْ
أي: لا ملجأ للفار من الموت والكبر؛ إذ كل منهما من الأمر الإلهي والأمر المحكم القضاء المبرم يدرك الإنسان لا محالة. قال السدي: كانوا إذا فزعوا في الدنيا تحصنوا بالجبال، فقال الله لهم: لا وزر يعصمكم منى يومئذٍ. و ﴿كَلَّا﴾ للردع أو لنفي ما قبلها أو بمعنى حقًا. ونحو الآية قوله: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾.
(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon