٢٢ - ثم بين ما يكون من أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين، فقال: (١) ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢)﴾؛ أي: ناعمة غضة حسنة، يقال: شجر ناضر وروض ناضر؛ أي: حسن ناعم، ونضارة العيش حسنه وبهجته. وقال الواحدي: يقول المفسّرون: مضيئة مسفرة مشرقة. وقوله: ﴿وُجُوهٌ﴾ مبتدأ، و ﴿نَاضِرَةٌ﴾ خبره، و ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ منصوب بـ ﴿ناضرة﴾، وسوّغ وقوع النكرة مبتدأ وقوعه في معرض التفصيل.
٢٣ - وقوله: ﴿إِلَى رَبِّهَا﴾ متعلق بقوله: ﴿نَاظِرَةٌ﴾ وهو خبر ثان للمبتدأ. والنظر: نقليب البصر، أو البصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، والمراد بنظر الوجوه نظر العيون التي فيها بطريق ذكر المحل وإرادة الحال؛ أي: فوجوه المؤمنين المخلصين حين تقوم القيامة مضيئة مشرقة تشاهد عليها نضرة النعيم إلى ربها، ومالك أمرها، وخالقها ﴿نَاظِرَةٌ﴾؛ أي: تنظر إلى ربها عيانًا بلا حجاب. قال جمهور أهل العلم: المراد بذلك ما تواترت به الأحاديث الصحيحة من أنَّ العباد ينظرون إلى ربهم يوم القيامة كما ينظرون إلى القمر ليلة البدر. قال ابن كثير: وهذا بحمد الله مجمع عليه من الصحابة والتابعين، وسلف هذه الأمّة كما هو متفق عليه بين أئمّة الإِسلام وهداة الأنام اهـ. وروى البخاري في "صحيحه": "إنّكم سترون ربكم عيانًا". وروى الشيخان عن أبي سعيد وأبي هريرة "أنّ ناسًا قالوا يا رسول الله هل نرى ربّنا يوم القيامة؟ فقال: "هل تضارّون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب؟ قالوا: لا، قال: فإنّكم سترون ربكم كذلك". وروى ابن جرير عن مجاهد أنّه قال: إنَّ النظر هنا انتظار ما لهم عند الله من الثواب. قال الأزهري: قد أخطأ مجاهد، لأنّه لا يقال نظر إلى كذا بمعنى انتظر، فإنّ قول القائل: نظرت إلى فلان ليس إلَّا رؤية عين، فإذا أرادوا الانتظار قالوا: نظرته. وأشعار العرب وكلماتهم في هذا كثيرة جدًّا اهـ. قال الشاعر:
فَإِنَّكُمَا إِنْ تَنْظُرَانِيَ سَاعَةً | مِنَ الدَّهْرِ تَنْفَعْنِي لَدَى أُمِّ جُنْدُبِ |
أراد به معنى الانتظار. وقال الآخر:نَظَرْتُ إِلَيْهَا وَالنُّجُومُ كَأَنَّها | مَصَابِيْحُ رُهْبَانٍ تَشُبُّ لِفِعَالِ |
أراد به نظر العين. وقال الآخر أيضًا:إِنّيْ إلَيْكَ لِمَا وَعَدْتَ لِنَاظِرٌ | نَظَرَ الْفَقِيْرِ إلَى الغَنِيِّ المُوسِرِ |
أراد به أيضًا نظر العين؛ أي: أنظر إليك نظر ذل كما ينظر الفقير إلى الغني.