٢ - ٢٤ ﴿وَوُجُوهٌ﴾ من الكفرة والا فقين. مبتدأ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ متعلق بقوله: ﴿بَاسِرَةٌ﴾ وهو خبر المبتدأ؛ أي: كالحة عابسة كئيبة؛ أي: شديدة العبوس مظلمة ليس عليها أثر السرور أصلًا.
٢٥ - ﴿تَظُنُّ﴾؛ أي: تتوقيم أربابها بحسب الأمارات، والجملة خبر بعد خبر. ﴿أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾؛ أي: داهيية عظيمة تقصم فقار الظهر، ومنه: سمي (١) الفقير، فإنَّ الفقر: كسر فقار ظهره، فجعله فقيرًا؛ أي: مفقورًا. وهو كناية عن غاية الشدّة وعدم القدرة على التحمل، فهي تتوقع ذلك كما تتوقع الوجوه الناضرة أن يفعل بها كل خير بناء على أنَّ قضية المقابلة بين الآيتين تقتضي ذلك. والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر سادّ مسدَّ مفعول ظن، كما سيأتي.
ورجح أبو حيَّان، والطيبيّ، تفسير الظن بمعنى اليقين، ولا ينافيه أن المصدرية كما توهم، فإنها إنّما لا تقع بعد فعل لتحقق الصرف، أما بعد فعل الظن، أو ما يؤدي معنى العلم فتجيء المصدرية والمشدّدة والمخففة، نص عليه الرضيّ.
والمعنى: أي ووجوه الكفار. تكون يوم القيامة عابسةً كالحةً مستيقنةً أنها ستصاب بداهيةٍ عظيمة تقصم فقار ظهرها وتهلكها. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُو﴾، وقوله: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)﴾.
٢٦ - ﴿كَلَّا﴾ ردع وزجر عن إيثار العاجلة على الآخرة؛ أي: ارتدعوا وانزجروا عن ذلك، وتنبهوا لما بين أيديكم من الموت الذي ينقطع عنده ما بينكم وبين العاجلة من العلاقة، فاقلعوا عن إيثار الدنيا على الآخرة، فستنقطع الصلة بينكم وبينها، وتنتقلون إلى الدار الآخرة التي ستكونون فيها مخلدين أبدًا.
ثم استأنف ببيان الحال التي تفارق فيها الروح الجسد، فقال: ﴿إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ﴾؛ أي: إذا بلغت الروح أعالي الصدر، وأشرفت النفس على الموت. قال دريد بن الصقة:

وَرُبَّ عَظِيْمَةٍ دَافَعْتُ عَنْهَا وَقَدْ بَلَغَتْ نُفُوْسُهُمُ التَّرَاقِيْ
وضمير (٢) الفاعل للنفس وإن لم يجر لها ذكر؛ لأن الكلام الذي وقعت فيه
(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon