إنسان ما عمله من خير أو شر حاضرًا بين يديه.
أي: إلى الله، وإلى حكمه يساق الإنسان يومئذٍ، لا إلى غيره؛ أي: يساق إلى حيث لا حكم هناك إلا الله. فالمساق مصدر ميميّ بمعنى السوق، والألف واللام عوض عن المضاف إليه؛ أي: إلى ربك سوق الإنسان للمجازاة على عمله.
٣١ - والفاء في قوله: ﴿فَلَا صَدَّقَ﴾ عطفت (١) هذه الجملة على جملة قوله: ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (٦)﴾ تعجيبًا من حال الإنسان الكافر. يعني: يسأل عن يوم القيامة فلا صدق، ولا صلى ولكن كذّب وتولى؛ أي: يسأل وما استعد له إلا بما يوجب دماره وهلاكه. وأما قوله: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧)﴾ فجواب عن السؤال. وقوله: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ﴾ تخلص إلى ما استطرد من أحوال النبي - ﷺ - أقحم الجواب بين المعطوف والمعطوف عليه لشدّة الاهتمام به.
أي: فلا صدق الإنسان المذكور ما يجب تصديقه من الرسول، والقرآن الذي نزل عليه؛ أي: لم يصدق، فـ ﴿لا﴾ هاهنا بمعنى ﴿لم﴾، وإنما (٢) دخلت على الماضي لقوّة التكرار. يعني: حسن دخول ﴿لا﴾ على الماضي تكراره كما تقول: لا قام زيد ولا قعد، وقلما تقول العرب: لا وحدها حتى تتبعها بأخرى، تقول: لا زيد في الدار ولا عمرو، أو فلا صدق ماله بمعنى لا زكاه، فحيئنذٍ يطلب وجه لترجيح الزكاة على الصلاة مع أن دأب القرآن تقديم الصلاة على الزكاة، ولعل وجهه ما كان كفّار مكة عليه من منع المساكين وعدم الحضّ على طعامهم في وقت الضرورة القوية، وأيضًا في تأخير ﴿وَلَا صَلَّى﴾ مراعاة الفواصل، كما لا يخفى.
﴿وَلَا صَلَّى﴾ ما فرض عليه. وفيه دلالة على أنَّ الكفار مخاطبون بالفروع في حقّ المؤاخذة. يعني: أنَّ الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة كما يستحقها بترك الإيمان، وإن لم يجب أداؤها عليه في الدنيا.
٣٢ - ولما كان عدم التصديق يصدق بالشك والسكوت والتكذيب استدرك على عمومه، وبين أن المراد منه خصوص التكذيب، فقال: ﴿وَلَكِنْ كَذَّبَ﴾ ما ذكر من الرسول والقرآن. والاستدراك لدفع احتمال الشك، فإن نفي التصديق لا يستلزم
(٢) روح البيان.