معطوف (١) على قوله: ﴿أَلَمْ يَكُ﴾؛ لأن إنكار عدم الكون يفيد ثبوت المكون، فالتقدير: كان الإنسان نطفة ثم كان علقة ﴿فَخَلَقَ﴾؛ أي: فقدر بأن جعلها مضغة مخلقة بعد أربعين أخرى؛ أي: قطعة لحم قابل لتفريق الأعضاء، وتمييز بعضها من بعض وجعل المضغة عظامًا تتميز بها الأعضاء بأن صلبها، فكسا العظام لحمًا يحسن به خلقه وتصويره، ويستعد لإفاضة القوى ونفخ الروح.
﴿فَسَوَّى﴾؛ أي: فعدَّله وكمل نشأته. وقال بعضهم: معنى التسوية والتعديل: جعل كل عضو من أعضائه الزوج معادلًا لزوجه.
٣٩ - ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ﴾؛ أي: من الإنسان باعتبار الجنس أو من المنيّ. وجعل بمعنى خلق، ولذا اكتفى بمفعول واحد، وهو قوله: ﴿الزَّوْجَيْنِ﴾؛ أي: الصنفين من نوع الإنسان، وقد يجتمعان تارةً، وينفرد كل منهما عن الآخر تارةً، لا خصوص الفردين وإلاّ فقد تحمل المرأة بذكرين وأنثى أو بالعكس اهـ شيخنا. ثم بين ذلك بقوله: ﴿الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى﴾ بدل من الزوجين، ويجوز أن يكونا منصوبين بإضمار أعني. ولا يخفى (٢) أنَّ الفاء تفيد التعقيب، فلا بدّ من مغايرةٍ بين المتعاقبين، فلعل قوله: ﴿فَخَلَقَ فَسَوَّى﴾ محمول على مقدار مقدر من الخلق يصلح به للتفرقة بين الزوجين، وقوله: ﴿فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ﴾ على التفرقة الواقعة.
والمعنى (٣): أي أما كان هذا المنكر قدرة الله على إحيائه بعد مماته وإيجاده بعد فنائه نطفة في صلب أبيه ثم كان علقة ثم سواه بشرًا ناطقًا سميعًا بصيرًا ثم جعل منه أولادًا ذكورًا وإناثًا بإذنه وتقديره.
٤٠ - ﴿أَلَيْسَ ذَلِكَ﴾ العظيم الشأن الذي أنشأ هذا الإنشاء البديع ﴿بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾؛ أي: على أن يعيد الأجسام بالبعث كما كانت عليه في الدنيا، فإنَّ الإعادة أهون من الابتداء وأيسر مؤنة منه في قياس العقل لوجود المادة، وهو عجيب الذنب والعناصر الأصلية. والاستفهام في ﴿أَلَيْسَ﴾ للتقرير المضمن للتوبيخ لمنكر البعث.
وفي قراءة زيد بن عليّ ﴿الزوجان﴾ بالألف، وكأنه على لغة بني الحارث بن كعب ومن وافقهم من العرب من كون المثنى بالألف في جميع أحواله. وقرأ

(١) روح البيان.
(٢) روح البيان.
(٣) المراغي.


الصفحة التالية
Icon