قبلها: أنَّ الله سبحانه وتعالى لمّا ذكر (١) أنّه هدى الإنسان لطريق الخير وطريق الشرّ في قوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)﴾، ثم أردفه ببيان أنّ الناس انقسموا في ذلك فريقين: فريق وفّقه الله، واهتدى وشكر، وفريق أضلّه الله وكفر. أعقب ذلك بما أعدّه لكل منهما يوم القيامة، فأعدّ للأوّلين جنات ونعيمًا، فهم يشربون الخمر وهي ألذ شراب لديهم ممزوجة بماء عذب زلال طيب الرائحة، تأتيهم إلى غرفهم متى شاؤوا وكيف أرادوا، ويلبسون الحرير، ويجلسون على الأرائك لا يرون فيها حرًّا ولا قرًّا. ثم ذكر ما أعدوه في الدنيا لنيلهم هذا الثواب العظيم، فبين أنهم يطعمون الطعام للفقراء البائسين واليتامى والأسارى، ويؤدون ما وجب عليهم لربهم، ويخافون عذاب يوم القيامة. وأعد للآخرين سلاسل وقيودًا ونارًا تشوي الوجوه والأجسام.
قوله تعالى: ﴿مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر طعام أهل الجنة ولباسهم أردفه بوصف مساكنهم ثم وصف شرابهم وأوانيه وسقاته، ثم أعاد الكلام مرّةً أخرى بذكر ما تفضل به عليهم من فاخر اللباس والحليّ، ثم ألمع إلى أن هذا كان جزاء لهم على ما عملوا، وما زكوا به أنفسهم من جميل الخصال وبديع الخلال.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا (٢٣)...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها، أنَّ الله سبحانه لمّا ذكر أحوال الآخرة، وبين عذاب الكفار على سبيل الاختصار، وثواب المطيعين على سبيل الاستقصاء إرشادًا لنا إلى أن جانب الرحمة مقدم على جانب العقاب.. أردف ذلك بذكر أحوال الدنيا، وقدم أحوال المطيعين وهم: الرسول - ﷺ - وأمته على أحوال المتمردين والمشركين. وقبل الخوض فيما يتعلق بالرسول من الأمر والنهي أمره بالصبر على ما يناله من أذى قومه إزالةً لوحشته وتقويةً لقلبه حتى يتم فراغ قلبه، ويشتغل بطاعة ربّه، وهو على أتمّ ما يكون سرورًا ونشاطًا.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)﴾ سبب نزول هذه