وعكرمة، والسدي، وغيرهم. ﴿حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ﴾ والحين: زمان مطلق ووقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر، كما سيأتي. والدهر: الزمان الطويل.
والمعنى: مر على آدم طائفة محدودة كائنة من الزمان الممتد. قيل: أربعون سنة قبل أن ينفخ فيه الروح. وقيل (١): إنه خلق من طين فألقي بين مكة والطائف، فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون، فأقام أربعين سنة أخرى، ثم من صلصال فأقام أربعين سنة أخرى. فتم خلقه في مئةٍ وعشرين سنة، فنفخ فيه الروح على ما جاء في رواية الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: فما كان سنين في آدم كان أيّامًا في أولاده. وقيل: المراد بالإنسان جنس الإنسان لقوله: ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾، لأنَّ آدم لم يخلق منها، ثم المراد بالجنس بنو آدم، والمراد بالحين مدة حمله؛ لأنه كان علقة في أربعين يومًا ومضغةً في ثمانين ومنفوخًا فيه الروح في مئة وعشرين يومًا على أن يكون الحين هو الزمن الطويل الممتد الذي لا يعرف مقداره. وهذا القول أعني: حمله على أولاده أظهر؛ لأنّ المقصود تذكير الإنسان كيفية الخلق بعد أن لم يكن ليتذكر أول أمره من عدم كونه شيئًا مذكورًا أو آخر أمره من كونه شيئًا مذكورًا مخلوقًا من ماء حقير، فلا يستبعد البعث. وقيل: المراد بالجنس ما يعم آدم وبنيه على التغليب أو نسبة حال البعض إلى الكل للملابسة على المجاز. وحمل بعضهم الإنسان هنا على آدم وفيما سيأتي على أولاده.
وجملة قوله: ﴿لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ إما في محل نصب على الحال من الإنسان أو في محل رفع صفة أخرى لـ ﴿حِينٌ﴾ بحذف الضمير الرابط؛ أي: حين لم يكن فيه شيئًا مذكورًا. قال الفراء وقطرب وثعلب (٢): المعنى: أنه كان جسدًا مصوّرًا ترابًا وطينًا لا يذكر، ولا يعرف، ولا يدرى ما اسمه، ولا ما يراد به، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكورًا. وقال يحيى بن سلام: لم يكن شيئًا مذكورًا في الخلق، وإن كان عند الله شيئًا مذكورًا. وقيل: ليس المراد بالذكر هنا الإخبار، فإن إخبار الرب عن الكائنات قديم بل هو الذكر بمعنى الخطر والشرف كما في قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾. قال القشيريّ: ما كان مذكورًا للخلق وان كان مذكورًا لله سبحانه. قال الفرّاء: كان شيئًا ولم يكن مذكورًا، فجعل النفي متوجهًا إلى القيد. وقيل المعنى:
(٢) الشوكاني.