قد مضت أزمنة، وما كان آدم شيئًا مذكورًا؛ لأن خلقه بعد خلق الحيوان كله، ولم يخلق بعده حيوان.
والمعنى على القول الثاني ﴿لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ بل كان (١) شيئًا منسيًّا، غير مذكور بالإنسانية أصلًا نطفة في الأصلاب، فما بين كونه نطفة وكونه شيئًا مذكورًا بالإنسانية مقدار محدود من الزمان، وتقدم عالم الأرواح لا يوجب كونه شيئًا مذكورًا عند الخلق ما لم يتعلق بالبدن ولم يخرج إلى عالم الأجسام.
والمعنى (٢): أي قد أتى على هذا النوع الإنسانيّ زمن لم يكن موجودًا حتى يعرف ويذكر. وفي الآية ما يشير إلى ما قاله علماء طبقات الأرض "الجيولوجيا". من أن الإنسان لم يوجد على الأرض إلا بعد خلقها بأحقاب طوال، فقد كانت الأرض أوّلًا ملتهبةً بعد أن انفصلت من الشمس، ثم أخذت قشرتها تبرد بالتدريج، وأمكن أن ينبت فيها النبات، ثم بعض الطيور ثم بعض الحيوان الداجن ثم الإنسان.
٢ - ثم أتبع ذلك بذكر العناصر الداخلة في تكوين الإنسان، فقال: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ﴾؛ أي: خلقنا جسمه، والإظهار لزيادة التقرير. ﴿مِنْ نُطْفَةٍ﴾ حتى كان علقةً في أربعين يومًا ومضغةً في ثمانين ومنفوخًا فيه الروح في مئة وعشرين يومًا، كما خلق أباهم آدم طورًا طينًا وطورًا حمأً مسنونًا وطورًا صلصالًا. والمراد بالإنسان هنا ابن آدم، قال القرطبي من غير خلاف. والنطفة: الماء الذي يقطر، وهو المنيّ وكل ماء قليل في وعاء فهو نطفة، وجمعها نطف. وقوله: ﴿أَمْشَاجٍ﴾؛ أي: (٣) أخلاط، صفة لـ ﴿نُطْفَةٍ﴾، وهي جمع مشج كسبب أو كتف على لغتيه، أو جمع مشيج من مشجت الشيء إذا خلطته. وصف النطفة بالجمع مع إفرادها، لما أن المراد بها مجموع الماءين يختلطان في الرحم، ولكل منهما أوصاف مختلفة من اللون والرقة والغلظ، وخواص متباينة، فإن ماء الرجل أبيض غليظٌ فيه قوة العقد، وماء المرأة أصفر رقيق فيه قوة الانعقاد. فيخلق منهما الولد، فأيهما علا صاحبه كان الشبه به، وما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل، وما كان من لحم ودم وشعر، فمن ماء المرأة، كما روي في المرفوع. وفي الخبر: "ما من مولود إلا وقد ذر على
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.