﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾، وقوله: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١)﴾.
روى مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله - ﷺ -: "كُلُّ الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها". وحكى (١) مكيٌّ عن الكوفيين أن قوله: ﴿إِمَّا﴾ هي ﴿إنْ﴾ الشرطية زيدت بعدها ما؛ أي: بينا له الطريق إن شكر أو كفر، واختار هذا الفراء. ولا يجيزه البصريون؛ لأن ﴿إن﴾ الشرطية لا تدخل على الأسماء إلا أن يضمر بعدها فعل، ولا يجوز هنا إضمار الفعل؛ لأنّه كان يلزم رفع ﴿شَاكِرًا﴾ و ﴿كَفُورًا﴾، ويمكن أن يضمر فعل ينصب ﴿شَاكِرًا﴾ و ﴿كَفُورًا﴾، تقديره: إن خلقناه شاكرًا فشكور، وإن خلقناه كفورًا فكفور. وهذا على قراءة الجمهور ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ بكسر همزة إمّا.
٤ - ولما ذكر الفريقين أتبعهما بالوعيد والوعد، فقال: ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا﴾؛ أي: هيّأنا في الآخرة، فإن الاعتداد إعداد الشيء حتى يكون عتيدًا حاضرًا متى احتيج إليه. ﴿لِلْكَافِرِينَ﴾ من أفراد الإنسان الذي هديناه السبيل ﴿سَلَاسِلَ﴾ بها (٢) يقادرن إلى جهنم. وفي "كشف الأسرار": أعتدنا للكافرين في جهم سلاسل، كل سلسلة سبعون ذراعًا، وهو بغير تنوين في قراءة حفص، وأمّا الوقف فبالألف تارةً وبدونها أخرى. يقال: تسلسل الشيء: اضطرب كأنه تصور منه تسلسل وتردد، فتردد لفظه تنبيه على تردد معناه، ومنه: السلسلة وفي "القاموس": السلسلة بالفتح: إيصال الشيء بالشيء، وبالكسر: دائرة من حديد ونحوه. وقرأ (٣) طلحة، وعمرو بن عبيد، وابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة ﴿سلاسل﴾ ممنوع الصرف وقفًا ووصلًا، وقيل: عن حمزة وأبي عمرو الوقف بالألف، وقرأ حفص وابن ذكوان بمنع الصرف، واختلف عنهم في الوقف، وكذا عن البزي. وقرأ باقي السبعة بالتنوين وصلًا، وبالألف المبدلة منه وقفًا، وهي قراءة الأعمش. قيل؛ وهذا على ما حكاه الأخفش من لغة من يصرف كل ما لا يصرف إلا أفعل من، وهي لغة الشعراء ثم كثر حتى جرى في كلامهم، وعلل ذلك بأن هذا الجمع لما كان يجمع فقالوا: صواحبات يوسف، ونواكسي الأبصار أشبه المفرد فجرى فيه الصرف. وقال بعض الرجاز:
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.