البررة. ﴿يَشْرَبُونَ﴾ في الجنة. والشرب: تناول كل مائع ماء كان أو غيره؛ أي: يشربون ابتداء كالمطيعين، أو انتهاء كالمعذّبين من المؤمنين بحكم العدل ﴿مِنْ كَأْسٍ﴾؛ أي: من خمر ﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾؛ أي: ما تمزج به ﴿كَافُورًا﴾؛ أي: ماء عين تسمى بالكافور، وهي من أنهار الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده دون طعمه، وإلا فنفس الكافور لا يشرب. ونظيره: ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا﴾؛ أي: كنار. والجملة صفة لـ ﴿كَأْسٍ﴾، وقيل: إنّ كان هنا زائدة؛ أي: من كاس مزاجها كافورًا. والكأس (١) في اللغة: هو الإناء الذي فيه الشراب، وإذا لم يكن فيه الشراب لم يسمّ كأسًا، ولا وجه لتخصيصه بالزجاجة بل يكون من الزجاج، ومن الذهب والفضة والصينيّ وغير ذلك. وقد كانت كأسات العرب من أجناس مختلفة، وقد يطلق الكأس على نفس الخمر، كما في قول الشاعر:

وَكَأسٍ شَرِبْتُ عَلَى لَذّةٍ وَأُخْرَى تَدَاويْتُ مِنْهَا بِهَا
﴿كَانَ مِزَاجُهَا﴾؛ أي: ما يمازج تلك الكاس وتخلط به، يقال: مزج الشراب يمزجه مزجًا؛ أي: خلطه يخلطه خلطًا، ومنه قول الشاعر:
كَأَنَّ سَبْيّةً مِنْ بَيْتِ رَأْسٍ كَأنَّ مِزَاجَهَا عَسَلٌ وَمَاءُ
ومنه: مزاج البدن، وهو ما يمازجه من الأخلاط من الصفراء والسوداء والبلغم والدم والكيفيات المناسبة لكلّ منها. ﴿كَافُورًا﴾ وهو اسم (٢) عين في الجنة في المقام المحمدي، وكذا سائر العيون في الجنة ماؤها في بياض الكافور ورائحته دون طعمه. والكافور: طيب معروف يطيب به الأكفان والأموات لحسن رائحته. واشتقاقه من الكفر، وهو الستر؛ لأنه يغطي الأشياء برائحته كما سيأتي. وقال الكلبي: ﴿كَافُورًا﴾ اسم عين في الجنة، وصرفت لتوافق الآي. وقرأ عبد الله (٣) ﴿قافورا﴾ بالقاف بدل الكاف، وهما كثيرًا ما يتعاقبان في الكلمة كقولهم: عربيُّ قح وكح.
٦ - ﴿عَيْنًا﴾ بدل من ﴿كَافُورًا﴾؛ أي: من كأس كان مزاجها عينًا. أو مفعول به ليشربون؛ أي: ماء عين يشرب بها عباد الله. أو بدل من محل كأس على حذف
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon