أي: تسخيرًا وتسهيلًا تامًّا. معطوف على ﴿دانية﴾، كأنّه قال: ومذلّلة، ويجوز أن تكون الجملة في محل نصب على الحال من الضمير في ﴿عَلَيْهِمْ﴾، ويجوز أن تكون مستأنفة.
والمعنى: أنّها سخّرت ثمارها لمتناولها تسخيرًا كثيرًا بحيث يتناولها القائم والقاعد والمضطجع، لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك. قال النحاس: المذلل: القريب المتناول، ومنه قولهم حائط ذليل؛ أي: قصير. قال ابن قتيبة: ذللت: أدنيت من قولهم: حائط ذليل أي: كان قصير السمك. وقيل: ﴿ذللت﴾؛ أي: جعلت منقادة لا تمتنع على قطافها كيف شاؤوا.
١٥ - ﴿وَيُطَافُ﴾؛ أي: يدور الخدم من طافه بمعنى دار، والطواف والإطافة كلاهما لازم، وإنّما (١) جاءت التعدية هنا من الباء في قوله: ﴿بِآنِيَةٍ﴾. ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على الأبرار إذا أرادوا الشرب. والطائف: الدائر، وهو الخدم كما يجيء. ﴿بِآنِيَةٍ﴾؛ أي: بأوعية، جمع إناء، نحو: كساء وأكسية، والأواني جمع الجمع كما في "المفردات". وفي بعض التفاسير: الباء فيها إن كانت للتعدية فهي قائمة مقام الفاعل؛ لأنّها مفعول له معنى، وإلا فالظاهر أن يكون القائم مقامه عليهم. ﴿مِنْ فِضَّةٍ﴾ صفة لـ ﴿آنية﴾ ﴿وَأَكْوَابٍ﴾ جمع كوب، وهو الكوز العظيم المدوّر الرأس لا أذن له ولا عروة، فيسهل الشرب منه من كلّ موضع، ولا يحتاج عند التناول إلى إدارته، وهو مستعمل الآن في بلاد العرب.
والحاصل: أنه لما وصف طعامهم ولباسهم ومسكنهم وصف شرابهم، وقدم عليه وصف الأواني التي يشرب بها، وذكره بلفظ المجهول؛ لأنّ المقصود ما يطاف به لا الطائفون. ثم ذكر الطائفين بقوله: ﴿وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ...﴾ إلخ، وجملة قوله: ﴿كَانَتْ﴾؛ أي: تلك الأكواب ﴿قَوَارِيرَا﴾؛ أي: كالقوارير في صفائها وشفافتها، جمع قارورة، وهو كل ما قر فيه الشراب ونحوه وكان شفّافًا.
١٦ - وحسن التكرير في قوله: ﴿قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ لما اتصل به من بيان أصلها؛ أي: تكونت، وحدثت تلك الأكواب جامعة بين صفاء الزجاجة وشفافتها، ولين الفضة وبياضها يرى ما في داخلها من خارجها، فـ ﴿كان﴾ تامة. و ﴿قَوَارِيرَا﴾ الأول حال من فاعل ﴿كَانَتْ﴾ على المبالغة في

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon