الإشارة معنى السلسبيل سل من الله إليه سبيلًا. قال ابن الشيخ: (١) جعل الله مزاج شراب الأبرار أوّلا كافورًا وثانيًا زنجبيلًا؛ لأنّ المقصود الأهم حال الدخول البرودة لهجوم العطش عليهم من حر العرصات، وعبور الصراط، وبعد استيفاء حظوظهم من أنواع نعيمها ومطعوماتها تميل طباعهم إلى الأشربة التي تهيج الاشتهاء وتعين على تهنئة ما تناولوه من المطعومات، ويلتذ الطبع بشربها. فلعل الوجه في تأخير ذكر ما يمزج به الزنجبيل عما يمزج به الكافور ذلك.
والخلاصة (٢): ويسقى الأبرار في الجنة خمرًا ممزوجة بالزنجبيل، وقد كانوا في الدنيا يحبون ذلك، ويستطيبونه، ويسقون من عينٍ في الجنة غاية في السلاسة وسهولة الانحدار في الحلق. قال ابن الأعرابي: لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن، وكأن العين إنما سميت بذلك لسلاستها وسهولة مساغها اهـ. وهذا كله ما هو إلا أسماء لما هو شبيه بما في الدنيا، وهناك ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت. فالمعاني غير ما نعهد، والألفاظ لمجرد تخيل شيء مما نراه، كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
١٩ - ثم ذكر أوصاف السقاة الذين يسقونهم ذلك الشراب، فقال: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: يدور على الأبرار ﴿وِلْدَانٌ﴾ فإنهم أخف في الخدمة. جمع وليد، وهو من قرب عهده بالولادة. ﴿مُخَلَّدُونَ﴾؛ أي: دائمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء، لا يتغيرون أبدًا.
والمعنى: أي ويطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة، يأتون على ما هم عليه من الشباب والطراوة والنضارة، لا يهرمون، ولا يتغيرون، ولا تضعف أجسامهم عن الخدمة.
﴿إِذَا رَأَيْتَهُمْ﴾ أيها المخاطب؛ أي: إذا رأيت هؤلاء الولدان ﴿حَسِبْتَهُمْ﴾، أي: خلتهم لحسن ألوانهم ونضارة وجوههم وانتشارهم في قضاء حوائج سادتهم ﴿لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا﴾؛ أي: متفرّقًا؛ أي: كأنهم اللؤلؤ المنثور؛ أي: المفرق. واللؤلؤ المنثور أجمل في النظر من اللؤلؤ المنظوم، ولأنّهم إذا كانوا كذلك كانوا سراعًا في

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon