الجماهير؛ لأنّه معرّب مشهور تعريبه، وأن أصله: استبره كما مرّ.
وقوله: ﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ معطوف (١) على قوله: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾ وهو ماض لفظًا مستقبل معنى، و ﴿أَسَاوِرَ﴾ مفعول ثان لـ ﴿حلوا﴾؛ أي: ويحلّون أساور من فضّة؛ أي: يلبسونها، ويزيّنون بها. وفيه تعظيم لهم بالنسبة إلى أن يقال: وتحلّوا. وأساور جمع أسورة في جمع سوار، وسوار المرأة أصله: دستوار. وكان الملوك في الزمان الأوّل يحلون بها، ويسورون من يكرمونه. ولا معارضة بين ما في هذه الآية من قوله: ﴿أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾، وما في سورة الكهف وفاطر حيث قال: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ﴾، وما في سورة الحج حيث قال: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا﴾ لإمكان الجمع بينها بأنهم يجمعون في أيديهم سوار الذهب وسوار الفضة وسوار اللؤلؤ، كما تجمع نساء الدنيا بين أنواع الحليّ، وما أحسن المعصم؛ إذ يكون فيه سواران من جنسين وزيادة كالذهب والفضّة واللؤلؤ. أو بإمكان المعاقبة في الأوقات تارةً يلبسون الذهب وتارة يلبسون الفضة وأخرى لؤلؤًا. أو بإمكان التبعيض السوار بأن يكون بعضه ذهبًا وبعضه فضّة وبعضه لؤلؤًا. أو بأنَّ حليّ أهل الجنة يختلف بحسب اختلاف أعمالهم، فللمقرّبين الذهب وللأبرار الفضة. أو بأن كل واحد منهم يعطى ما ترغب فيه نفسه ويميل إليه طبعه، فإن الطباع مختلفة، فربّ إنسان يكون استحسانه لبياض الفضة فوق استحسانه لصفرة الذهب. ويجوز (٢) أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال من ضمير ﴿عَالِيَهُمْ﴾ بتقدير قد.
ثم ذكر أنهم يسقون شرابًا آخر يفوق النوعين السابقين، وهما ما يمزج بالكافور وما يمزج بالجزنبيل، فقال: ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ هو أيضًا معطوف على قوله: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾. فهو ماض اللفظ مستقبل المعنى إشعارًا بتحقّقه ووقوعه؛ أي: وشقيهم ربهم ﴿شَرَابًا﴾ وهو ما يشرب ﴿طَهُورًا﴾؛ أي: طاهرًا، ليس بنجس كخمر الدنيا، أو مطهر لبواطنهم من الغش والغل والحسد. وهذا (٣) الشراب الطهور نوع آخر يفوق النوعين السالفين كما يرشد إليه إسناد سقيه إلى ربّ العالمين، وصفه بالطهورية. لأنه يطهر باطنهم عن الأخلاق الذميمة، والأشياء المؤذية كالغشّ والغلّ

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon