إليه الإشارة بقوله: ﴿وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا﴾. ولما كان كونه مرضيًّا أعلى الدرجات.. ختم به ذكر مراتب الأبرار.
والمعنى (١): أي ويقال لهؤلاء الأبرار حينئذٍ: إنّ هذا الذي أعطيناكم من الكرامة كان لكم ثوابًا على ما كنتم تعملون من الصالحات، وكان عملكم فيها مشكورًا، حمدكم عليه ربكم ورضيه لكم، فأثابكم بما أثابكم به من الكرامة. ومعنى شكر الله سبحانه لعمل عبده هو قبوله لطاعته. والغرض من ذكر هذا القول لهم كما مرّ زيادة سرورهم، فإنّه إذا قيل للمعاقب: هذا بعملك الرديء ازداد غمّه وألم قلبه، وإذا قيل للمثاب: هذا بطاعتك وعملك الحسن ازداد سروره، وكان تهنئة له. ونحو الآية قوله تعالى: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (٢٤)﴾، وقوله: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
٢٣ - ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ﴾ يا محمد ﴿الْقُرْآنَ﴾ الكريم ﴿تَنْزِيلًا﴾ متكررًا متفرّقًا آية بعد آية منجّمًا لحكم بالغة مقتضية تخصيص كلّ شيء بوقت معيّن، لا غيرنا كما يعرب عنه تكرير الضمير مع ﴿إنّ﴾، فكأنه تعالى يقول: إنّ هؤلاء الكفّار يقولون: إنّ ذلك كهانة وسحر، فأنا الملك الحقّ أقول على سبيل التأكيد: إنّ ذلك وحي حقّ وتنزيل صدق من عندي، فلا تكترث بطعنهم، فإنّك أنت النبيّ الصادق المصدّق.
والمقصود من ذلك (٢): تثبيت قلب الرسول - ﷺ - وشرح صدره، وإنّ الذي أنزله إليه وحي منه لا كهانة، ولا سحر لتزول تلك الوحشة التي حصلت له من قول الكفار: إنه سحر أو كهانة أو شعر.
والمعنى (٣): أي إنا أنزلنا عليك القرآن مفرّقًا منجمًا في مدى ثلاث وعشرين سنة، ليكون أسهل لحفظه وتفهمه ودراسته، ولتكون الأحكام آتية وفق الحوادث التي تجد في الكون، فتكون تثبيتًا لإيمان المؤمنين، وزيادة في تقوى المتقين. وقد يكون المعنى: نزّلنا عليك، ولم تأت به من عندك كما يدّعيه المشركون، ويراد من ذلك تثبيت قلب رسوله - ﷺ - وشرح صدره، وأن الذي أنزل عليه وحي لا كهانة كما مرّ.
٢٤ - ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾؛ أي: فاصبر لما ابتلاك به ربّك وامتحنك به من تأخير
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.