نصرك على المشركين، ومقاساة الشدائد في تبليغ رسالته ووحيه الذي أنزله عليك، فإن لذلك عاقبة حميدة وغاية يثلج لها فؤادك، ولا تستعجل في أمر المقابلة والانتقام، فإن الأمور مرهونة بأوقاتها، وكل آت قريب.
﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ﴾؛ أي: من الكفّار ﴿آثِمًا أَوْ كَفُورًا﴾؛ أي: (١) لا تطع كلا من مرتكب الإثم والمتجاوز الحد في الكفر، فإذا قال لك الآثم كعتبة بن ربيعة: اترك الصلاة، وأنا أزوّجك ابنتي وأسوقها إليك بلا مهر، أو قال الكفور كالوليد بن المغيرة: أنا أعطيك من المال حتى ترضى إذا رجعت عن هذا الأمر. فلا تطع واحدًا منهما ولا من غيرهما، فقد وعدناك النصر في الدنيا والجنة في الآخرة.
وقصارى ذلك: لا تتبع أحدًا من الآثمين إذا دعاك إلى الإثم، ولا أحدًا من الكافرين إذا دعاك إلى الكفر. وهذا ما يفهم من قولك: لا تطع الظالم من أنّ المعنى: لا تتبعه في الظلم إذا دعاك إليه.
وقد روي: أنّ عتبة بن ربيعة قال للنبي - ﷺ -: ارجع عن هذا الأمر حتى أزوجك ابنتي، وأسوقها إليك بلا مهر، فإني من أجمل قريش ولدًا. وقال الوليد أنا أعطيك من مالي حتى ترضى، فإني من أكثرهم مالًا وارجع عن هذا الأمر؛ أي: عن ذكر النبوة. فقرأ عليهما رسول الله - ﷺ - عشر آيات من أول حم السجدة إلى قوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (١٣)﴾. فانصرفا عنه، وقال أحدهما: ظننت أنّ الكعبة ستقع عليّ.
ونهيه - ﷺ - عن طاعة الآثم والكفور، وهو لا يطيع واحدًا منهما إشارة إلى أنَّ الناس محتاجون إلى مواصلة الإرشاد، لما ركب في طباعهم من الشهوة الداعية إلى اجتراح السيئات، وأنّ أحدًا لو استغنى عن توفيق الله وإرشاده لكان أحق الناس بذلك هو الرسول المعصوم، ومن ثم وجب على كل مسلم أن يرغب إلى الله، وبتضرع إليه في أن يصونه من اتّباع الشهوات، ويعصمه عن ارتكاب المحرمات لينجو من الآفات ويسلم من الزلات، ليلقى ربه أبيض الصحائف من السيئات.
و ﴿أَوْ﴾ (٢) لأحد الشيئين والتسوية بينهما، فإذا قلت في الإثبات: جالس
(٢) روح البيان.