منسوخة بالصلوات الخمس. وقيل: الأمر للندب، وقيل: هو مخصوص بالنبيّ - ﷺ -. فقوله: ﴿لَيْلًا طَوِيلًا﴾ نصب على الظرفية. فإن قلت: انتصاب ﴿لَيْلًا﴾ على الظرفية، و ﴿طَوِيلًا﴾ نعت له، ومعناه: سبّحه في الليل الطويل، فمن أين يفهم ما ذكرت من المعنى؟
قلت: ظاهر أن توصيف الليل بالطول ليس للاحتراز عن القصير، فإن الأمر بالتهجد يتناوله أيضًا، فهو لتطويل زمان التسبيح. وفي التعبير في التهجد بالتسبيح وتأخير ظرفه دلالة على أنه ليس في مرتبة ما قبله.
وقيل المعنى (١): نزّهه عمّا لا يليق به، فيكون المراد الذكر بالتسبيح سواء كان في الصلاة أو في غيرها. وحاصل المعنى ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (٢٥)﴾؛ أي: ودم على ذكره في جميع الأوقات بقلبك ولسانك. ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ﴾؛ أي: وصل بعض الليل كصلاة المغرب والعشاء. ﴿وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا﴾؛ أي: وتهجّد له طائفة من الليل. ونحو هذا ما جاء في قوله: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)﴾، وقوله: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٤)﴾.
٢٧ - ثم قال منكرًا على الكفّار وأشباههم حبّ الدنيا والإقبال عليها وترك الآخرة وراءهم ظهريًّا بعدما شرح صدره - ﷺ - بما ذكر من قوله: ﴿إِنَّا نَحْنُ﴾ إلخ. ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾؛ أي: كفّار مكة ومن وافقهم في دينهم ﴿تُحِبُّونَ﴾ الدار ﴿الْعَاجِلَةَ﴾ الفانية، وينهمكون في لذّاتها، يعني: الدنيا. فهو الحامل لهم على الكفر والإعراض عن الاتّباع، لا اشتباه الحال عليهم. ﴿وَيَذَرُونَ﴾؛ أي: يتركون ﴿وَرَآءَهمُ﴾؛ أي: أمامهم لا يستعدّون. فهو (٢) حال من ﴿يَوْمًا﴾ أو ينبذون وراء ظهورهم، فهو ظرف لـ ﴿يذرون﴾، فـ ﴿وراء﴾ يستعمل في كلّ من أمام وخلف، والظاهر في وجه الاستعمالين: أن وراء اسم للجهة المتوارية؛ أي: المستترة المختفية عنك، واستتار جهة الخلف عنك ظاهر. وما في جهة الأمام قد يكون متواريًا عنك غير مشاهد ومعاين لك، فيشبه جهة الخلف في ذلك فيستعار له اسم الوراء. ﴿يَوْمًا ثَقِيلًا﴾؛ أي: شديدًا؛ أي: يتركون ويدعون خلفهم، أو أمامهم يومًا شديدًا عسيرًا، وهو يوم
(٢) روح البيان.