الأشجار، وخربت الديار، وغيرت الآثار، فيحصل بذلك خوف للعباد في القلوب، فيلجؤون إلى الله تعالى، ويذكرونه ذكرًا، فصارت تلك الرياح كأنها ألقت الذكر، والمعرفة في القلوب عند هبوبها.
٦ - وقوله: ﴿عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦)﴾ بدل من ﴿ذِكْرًا﴾؛ أي: اللاتي يلقين ذكر الله تعالى في قلوب العباد إما يلقين ﴿عُذْرًا﴾؛ أي: اعتذارًا إلى الله وتوبة في حق الذين يعتذرون إلى الله بتوبتهم واستغفارهم إذا رأوا نعمة الله في الغيث، ويشكرونه. وإمّا يلقين ﴿نُذْرًا﴾؛ أي: إنذارًا وتخويفًا من الله في حق الذين ينسبون ذلك إلى الأنواء، ويشكرونها.
والمعنى عليه: أقسم لكم أيها العباد بالرياح المرسلة المطلقة إرسالًا عرفًا؛ أي: متتابعًا أو كثيرًا كعرف الفرس، فبالرياح التي تعصف عصفًا؛ أي: تهب هبوبًا شديدًا، وبالرياح التي تنشر وتبسط السحاب نشرًا بين يدي رحمته، فبالرياح اللاتي تفرق السحاب وتبدده وتعدمه فرقًا وإعدامًا عند انقطاع المطر، فبالرياح التي تلقي في قلوب العباد ذكرا لله تعالى. إما تلقي ﴿عُذْرًا﴾؛ أي: اعتذارًا إليه تعالى بتوبتهم واستغفارهم في حق الشاكرين لنعمه، وإما تلقي ﴿نُذْرًا﴾؛ أي: إنذارًا وتخويفًا من عذابه في حق الكافرين لنعمه؛ أي: أقسم لك بصنوف هذه الرياح المذكورة إن الذي توعدون من البعث والجزاء الواقع لا محالة، وعلى هذا الوجه ذهب ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وقتادة.
والوجه الثاني: أن المراد بأسرها الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى، وبه قال ابن مسعود في رواية وأبو هريرة، وأبو صالح، ومقاتل، والفرّاء، وابن عباس في رواية. ومعنى ﴿الْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا﴾ الملائكة الذين أرسلوا عرفًا؛ أي: بالمعروف من أمر الله ونهيه، ﴿فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (٢)﴾ الملائكة تعصف في طيرانهم ونزولهم، وتسرع كعصف الرياح في السرعة، ﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (٣)﴾ الملائكة الذين ينشرون أجنحتهم، ويبسطونها إذا نزلوا إلى الأرض. وقيل: هم الذين ينشرون الكتب ودواوين الأعمال يوم القيامة. ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤)﴾ الملائكة الذين يأتون بما يفترق بين الحق والباطل، ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥)﴾ الملائكة يلقون الذكر؛ أي: الوحي إلى الأنبياء إمّا بالاعتذار والتوبة، وإمّا بالإنذار والتخويف. وقيل: يجوز أن يكون الذكر هو القرآن خاصة، فعلى هذا يكون الملقي هو جبريل وحده، وإنما ذكره بلفظ الجمع على سبيل


الصفحة التالية
Icon