التعظيم.
والمعنى عليه: أقسم لكم أيها العباد بالملائكة الذين أرسلوا بعرف؛ أي: بمعروف؛ أي: الذين أرسلتهم بالإحسان والشرع والمعروف، ليبلّغوا أنبيائي ورسلي، وبالملائكة الذين يعصفون عصفًا كعصف الرياح في السرعة إلى إنفاذ أمر الله أو المبعدين للباطل بسرعة كما تعصف الرياح التراب والتّبْنَ والهباء، وبالملائكة الذين ينشرون أجنحتهم عند النزول إلى الأرض، أو الذين ينشرون دواوين الأعمال يوم القيامة ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤)﴾؛ أي: فبالملائكة الذين يأتون بما يفرق بين الحقّ والباطل كإهلاك الكفرة وإنجاء المؤمنين، فبالملائكة الذين يلقون ذكرًا ووحيًا إلى الأنبياء إمّا ﴿عُذْرًا﴾ أو ﴿نُذْرًا﴾؛ أي: إمّا أمرًا أو نهيًا، ويقال: وعدًا أو وعيدًا، ويقال: تبشيرًا بالجنة أو إنذارًا بالعذاب؛ أي: أقسم بهؤلاء الطوائف من الملائكة إنّ ما وعدتم به من قيام الساعة لكائن لا محالة.
والوجه الثالث: أنّ المراد بأسرها آيات القرآن. ومعنى ﴿وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١)﴾ آيات القرآن المتتابعة في النزول على محمد - ﷺ - بكل عرف وخبر ﴿فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (٢)﴾ يعني آيات القرآن تعصف القلوب وتحركها وتلينها بذكر الوعيد حتى تجعلها كالعصف، وهو النبت المتكسر، ﴿وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا (٣)﴾ يعني: أنّ آيات القرآن تنشر أنوار الهداية والمعرفة في قلوب المؤمنين، ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا (٤)﴾ يعني: آيات القرآن تفرّق بين الحق والباطل، ﴿فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥)﴾ يعني: آيات القرآن، وهي الذكر الحكيم الذي يلقي الإيمان والنور في قلوب المؤمنين.
والمعنى عليه: أقسم لكم يا عبادي بآيات القرآن التي أرسلت وأنزلت على محمد - ﷺ - بعرف وخير وهداية، فبالآيات التي تعصف وتدق وتلين القلوب بذكر الوعيد، وبالآيات التي تنشر أنوار الهداية والمعرفة في قلوب المؤمنين، فبالآيات الفارقة فرقًا؛ أي: تفرّق فرقًا بين الحق والباطل، فبالآيات التي تلقي ذكرًا؛ أي: نورًا وإيمانًا في قلوب المؤمنين، إما بذكر وعد أو وعيد. إنّما توعدون لواقع لا محالة.
والوجه الرابع: أنّه ليس المراد من هذه الكلمات الخمس شيئًا واحدًا بعينه، فعلى هذا يكون المراد بقوله تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا (١) فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا (٢) وَالنَّاشِرَاتِ